المطلب الرابع عشر
شبهات خلق الجن
( الشريك المجهول )
كالعادة فإننا لا نمتلك الكثير من الحقائق عن كل مخلوقات الله التي لا نراها أو ندرك بها ، لذا نحاول أن نمد خطوطاً وهمية عبر الحقائق التي نمتلكها ، وقدر دراستنا لهم ، والتي تتعلق فقط بقضايا سنطرحها في الكتاب الثاني ، لذا سنبين تفاصيل سريعة عنهم ، وبما إن الحقائق قليلة فقد أصبحت الاحتمالات والخطوط الوهمية كثيرة ، كالذي يمتلك ثلاث أرقام من عددٍ سري مكوّن من عشرة أرقام ، والأصعب من ذلك إن الجن أرقام غير صحيحة ، وليست موجودة في الحسابات الرياضية المعروفة لدينا ، ونقصد إنهم ليسوا من مادة صنعنا لنقف على حقيقتهم ( أجناسهم .... صفاتهم .... طباعهم .... إمكانياتهم .... الجسدية والفكرية .... وإلخ ) ، ومن خلال الآيات المعدودة التي أطلعنا الله عليها في قرآنه ، نقول
1 – مادة صنعهم وهي النار .
2 – تاريخ خلقهم ، فهم خلق قديم ، خلقوا قبل آدم بآلاف السنين أي مذ اشتعلت الأرض بالنيران حتى بردت وبان ترابها .
3 – يَرونا ويسمعونَ ما نقول ويحاولون الاستماع حتى إلى ما يدار في السماء .
4 – فيهم الضال وفيهم المهتدي .
5 – لهم قدرات وإمكانيات تعتبر خارقة عند بني البشر .
6 – يستطيعون إيذاء البشر ، ويستطيع البشر الاستعانة بهم ولكن يسببون التيه والإرهاق .
7 – لهم أنبياء ورسل كما لنا ، لقوله تعالى { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ } الأنعام / 130
كما جاء في قوله تعالى { وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } الصافات
8 – ومن أخطرهم ، هم شياطينهم ، ما دلّتْ عليه الآيات
{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ(40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُون } سبأ /41
9 – يمارسون النكاح كما نمارسهُ نحن ، وهو ما دلت عليه الآية { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ } الرحمن / 56
10 – نسبوا لله صاحبةً وأولاداً من الجن ، كما فعلت النصارى .
{ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } الصافات / 185
{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سفهينا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} الجن /4
11 – أعمارهم طويلة جداً ، فهم لا يعانون من فناء المادة الجسدية التي نعاني منها ، بل يعانون من الخبوت ، كما تَخبُت النار ، وذلك بالعمل وبذل الجهد لذا فهم كسولين جداً ، رغم قواهم الخارقة ، وبسبب طاقاتهم الهائلة وقدراتهم على التنقل فهم يتمكنون من الوصول لنبأ الغيب دون علم الغيب ، راجع (شبهة علم ونبأ الغيب)
كل هذه المعلومات جاءت صريحة في القرآن الكريم ، وهي ثوابت لا يمكن استبعادها إذا ما رمنا معرفة الجن ، ومن خلال المعلومات آنفة الذكر فهناك استنتاجات .
أولاً – بما إنهم قد خلقوا من نار فلا أجساد لديهم ، لأنهم ليسوا بمادة بل طيف حراري ، وعليه يمكنهم التداخل في كل المواد الشفافة ، الناقلة للضوء والحرارة ، ولا يستطيعون أبدا الولوج في من كان فيه طيفاً حرارياً ، أو ما يسمى بالطيف الكهرومغناطيسي ، والطيف الحراري هو ما تلتقطه (الكاميرا الحرارية)(42) ، فهم من طيف النار اللا مرئي ، كما خُلقنا من طيف التراب المرئي ، وعليه فمن المحال دخول الجن في أجسادنا ، ولا في أجساد الحيوانات التي ما تزال على قيد الحياة ، لأن فيها طيفاً (الطاقة الحمراء) يمنعهم من الدخول ، كما تمنعنا العوارض المادية من الدخول فيها ، لذا فكل أساطير المشعوذين عن دخول الجن في الإنسان أو الحيوان محض خرافة ، فالجن يصطدم حتى بأسلاك الكهرباء ولا يستطيع اختراقها ، ويمكنهم رفع ودفع وايقاع ، الأشجار والحيوانات ، ونكتفي بما ورد ، فما بعد ذلك من تعامل بيننا وبينهم ، ليس من مواضيع بحثنا .
ثانياً – بما إن النار لها القدرة على التكاثر والانشطار ، فهم يتكاثرون بالانشطار ولا يتكاثرون بالولادة والانجاب .
وهناك من المفسرين من قال إن إبليس كان أبو الجن ، مثلما كان آدم للإنس ، وهذه المعلومة جاءت على أساس النطق بالموجود ، أي بما إنهم لا يعرفون شيئا عن الجن ولا يعرفون إسما من أسماء الجن أقدم خلقا من إبليس ، فأشاروا على أساس الموجود لديهم ، و أسندوا أساس الجنّ من صلبه ، لكن هناك من الجن من تمّ إبادتهم ، وهم المخلوقين من نار السموم ، ونار السموم هي النيران التي تكونت من الانفلاق الأعظم للكون ، إذ حصل انفجار مشابه تماما للانفجار النووي والذري ، فكل ما تكون لحظة الانفلاق الأعظم ، دبت الروح فيه إثر ما لنور الله من صفة الروح والحياة ، فخُلقَ الجان الملعون أول ما خلق ، وعليك أن تتخيل ، خلقاً من نار ذرية ونووية ، فلمّا ابيضّت ، خلق ابليس ومن ، هو من صنفه ، فالجن أجناس مختلفة وإبليس وذريته هم جنس من هذه الأجناس ،
فهم لا يختلفون باللون فقط مثلنا بل بالقوّة والقدرة ، كما النار تماماً ، فَكلما اختلفت النار بلونِها ، اختلفت بقوتها ، لكننا بعكس ذلك ، فكلما كانت بنيتنا ضعيفة ، من حيث التكوين من الطين كنّا أقوياء بالتفكير ، وكلما كنّا من حمإ مسنون ، كلما أصبحنا أقوياء البنية ، وضعفاء التفكير والاستنتاج ، فالجني الأحمر أقل الجن قوةً وأكثرهم عدداً ، وهو من النوع المسالم الضعيف ، وهو آخر الجن خلقاً ، ومن الممكن التعامل معه ،
لكنّ عقله كعقل الصبي غير المميز ، ومن الممكن أن تكلّفه بأمر فينساك ليلعب ، أمّا الأصفر فهو جنٌ يفوق بقوته الأحمر ، لكنه مؤذٍ أكثر منه ، وعقله عقل الصبي المميز ، و لأنّ ضوء الشمس يساوي طيفهم ، يمكن أن نطلق عليهم تسمية الشبح ، بعد ذلك يأتي الأخضر وهم العفاريت ، ولهم قدرات خارقة وعددهم قليل جداً ، وعقولهم كعقول المراهقين ، وأخيراً الأبيض ، وهو أجملهم و أحلاهم وأقواهم ، وعقولهم عقول البالغين ، و إبليس كان منهم وملكاً عليهم ، لذا فذريّة إبليس هم الأجمل شكلاً ، والأقدر عقلاً والأقوى بنيةً ، بين ذريات الجن ، وقد أنجب أو سينجب ثمان مرّات ، أي انشطر ثمان مرات ، كلما احس إن خليفة الله نزل الأرض ، لكن انشطاره أوهنه وجعله كبير السن ،
{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ}الرحمن/15 ، فالمارج أي من مختلف أطياف النار كما خلقنا الله من مختلف أطياف الأتربة ، ولكن التراب يخلط بالماء ليكون طيناً ، أما الطيف الحراري فيخلط بالأوكسجين (الغاز) فتتغير الوانه ، لذا فلا بد من الماء ، الذي يحوي على الأوكسجين ، ليتغيّر صنفهم للدرجات والأصناف التي ذكرناها ، ولا زواج بين أصنافهم أبداً ، لأن قدراتهم تتفاوت .
ثالثا – لهم أربع صور لأربع فصائل ، بعد انقراض إثنين منهم ، الأزرق والبنفسجي السامة ، اللذان خُلقا في لحظة الانفجار ، وقبل نزول الماء على الأرض ،
وكل فصيلة من هذه الفصائل ، تختلف اختلافا كبيرا عن الأخرى ، ورغم إنهم من ذكر و أنثى ، إلا إنهم لا يتكاثرون بالإنجاب والولادة ، بل بالانشطار ، واقرب تصور لهم كائنات وحيدة الخلية ، من حيث الانشطار ، و ينشطر الذكر على نفسه ، فيتّخذ ولداً ذكراً من نفس فصيلته ، وتنشطر الأنثى على نفسها فتتخذ بنتاً أنثى ، عليه فلا تتكاثر صورهم ، ولا تختلط فصائلهم مع الفصائل الأخرى ، و سواء أتوا الجماع يوميا أو سنويا ، فلا يكون انشطارهم إلا لمرة واحدة فقط ، و في اللحظة الأخيرة من حياتهم ، فما إن يخبت ويقترب من لحظات الموت حتى ينشطر ليكوّن ولداً له ، لذا فهم لا يتزايد عددهم بل يتناقص ، إلا إبليس كما ذكرنا ، وإبليس كان من الذين حاربوا الجن الأقدم من نار السموم ، وانتصروا عليهم ...
هذه الاختلافات أتت من اختلاف أطياف النار ، فالأساس إن كل الجن خلقوا من النار ، التي كانت تموج على الأرض من بعد الانفلاق العظيم ، فكان أول ما خلقت قبل نار الأرض هي فصائل من الجن المتمرد ، وكما ذكرنا من النار الذرية والنووية الفتاكة ، والتي أطلق عليها الله(جل جلاله) نار السموم ، وبعد أن بدأت الأرض تبرد ، حتى صارت النيران بيضاء اثر نزول الماء ، ووجود الأوكسجين ، وانخفاض حرارة الأرض ، فخُلق إبليس وجماعته منها ، و بعده العفاريت ولكن بعدد أكثر ، وبعدهم الأشباح ولما احمرت خُلقت بقية الجن بأعداد كثيرة ،
{قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك و إني عليه لقوي أمين } النمل/39
ولو لاحظت الآية أعلاه من سورة النمل ، ستجد إن العفريت ، أراد أن يقنع سليمان بأنه قوي أمين ، ومن الممكن أن يقول الأمين ، أو الذكي مثل هذا القول ، أما القوي فلا يقوله ، لأن القوى شيء ظاهر ، وليست كالفكر والأمانة ، أما القوي حين يقول ذلك ، فيعني أنه مشكوك في قوته وأمانته ، لكن الإنس الذي عنده علم من الكتاب لم يك بحاجةٍ لقول ذلك .
رابعا – كما تمعن في قوله تعالى { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ } الأنعام / 100
• خرَق الثَّوبَ : مزَّقه ، شقّه وثقبه (+)
أي جعلوه نصفين من البنين ومن البنات ، وهذا ما يسمّى عند الجن بالاختراق ، فالذكور ينشطرون إلى ذكور ، والاناث إلى إناث ، أما نحن البشر ، فيعتبرون أننا من المخرّقين ، أي إمكانية أن تنجب المرأة بنين وبنات ، فالخرق عندهم إمكانية أن ينشطر الذكر إلى ذكر وانثى ، فقد ظنوه حاشا لله ، إنه اخترق إلى بعض البنين والبنات وخدوا أبناءه ،
وكما ذكر لنا الله عزوعلا إن سليمان قد استخدمهم في بناء الهيكل ، وهذا سر عدم العثور على هيكل سليمان ، أو هذا الدليل على إن الجن والشياطين قاموا ببناء الهيكل لسليمان ، فمن قدرات هؤلاء أنهم ، بنو الهيكل بوجهين ، وجه البناء البشري الذي نعرفه ، ووجه آخر هو البناء اللا مرئي ، كما هي أبنيتهم التي لا نراها ، فإذا ما قرب أيّ لصٍ لسرقةِ التابوت ( تابوت العهد ) ينقلب الهيكل على وجهه الثاني ، فلا يرى من أحدٍ الهيكل ، ولا غُرفته ولا مكان وجود التابوت ، فالهيكل كله بعظمته ، بُنيَ لحفظ التابوت الذي هو تركة الأنبياء ، أي معاجزهم التي أعطاهم الله ، كعصى موسى وخاتم سليمان و سيف داوود ، وبمراجعة السبي البابلي ، تجد إنه لم يذكر أي منقول من المنقولات التي يعرفها اليهود ، والتي كانت في الهيكل .
{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } البقرة 282
وكانت قدراتهم العالية ، سبباً في أنهم لم يتعلموا لغة غنية بالمفردات للتخاطب بينهم ، فهم ليسوا بحاجةٍ لأن يستعينوا بلغةٍ للتفاهم بينهم ، حتى جاء الإنسان وتعلموا منه بعض اللغات القديمة ، كالعربيةِ والعبرية والسرياليةِ ، ولو أجريتَ دراسة لسورة الجن ، ونظرت ما لمستوى بيانهم وتعليمهم ، رغم أنهم سبقونا بآلاف السنين ، ستصل لقناعة تامة ، بأنهم قليلا ما يستخدمون اللغة ،
وهم أكثر الخلق غضباً بعد الجان المخلوق من نار السموم ، والذين أبيدوا جميعاً ، ولم يبقَ منهم إلا الأصناف الأربعة ، التي ذكرت ،
وكل ما عرضناه عليك في هذا المطلب ، مصدره القرآن ، والبحوث الحديثة عن الطيف الحراري ، و بمنظار العلوم الجنائية فقط لا غير .
المطلب الخامس عشر
شبهات النشأة الأولى
من حيث مقوماتها
النور { الروح والعلم }
لهذا الكون مخلوقاته و مكوناته ، كما إن له مقوّماته ، فمَخلوقاته خُلقتْ من مكوناته ، وهي التراب والنار والفراغات الكونية ، أما الماء فهو مما عَـرَشَهُ الله لهذه الأرض لا لغيرها من الكواكب ، وهو قد نتج أيضاً إثر الانفلاق الأعظم كما سنرى ، و هو ما أحيا بهِ كل شيء بهذه الأرض ، حتى بني البشر ، كما أحيانا بالروح ، فلولاه ما نَبُتَ من نباتٍ ، ولا دبّتْ الحياة في هذه المعمورة ، وكنا والكواكب الميتة على حدٍ سواء ،
{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } هود/7
كيف لهم أن يتجرعوا البهتان على رب السماوات والأرض ، وكيف لخالقنا أن ينتقل من عرشٍ لعرش ، إنما كان الماء من معروشاته ، كما كُــنّا والجن ، أي الذرية ، من معروشات خلافة الأرض ،
ونحن الآن سنبحث في مقومات هذا الوجود ، بعدما بحثنا في مخلوقاته ، ومقوماته هي نور الله من مشيئته وحسب ، فخدمتْ الملائكة ما كان من مشيئته ، وقد بين سبحانه إن الأيام الستة هو انفجار السماوات الستة ، ومن ضمنهن سماءنا ، لكنه رتبهن في يومين ، يوم فيه الانفجار ، ويوم فيه تنظيم الأفلاك ، و سنوضّح ذلك في الفروع أدناه .
شبهات خلق الجن
( الشريك المجهول )
كالعادة فإننا لا نمتلك الكثير من الحقائق عن كل مخلوقات الله التي لا نراها أو ندرك بها ، لذا نحاول أن نمد خطوطاً وهمية عبر الحقائق التي نمتلكها ، وقدر دراستنا لهم ، والتي تتعلق فقط بقضايا سنطرحها في الكتاب الثاني ، لذا سنبين تفاصيل سريعة عنهم ، وبما إن الحقائق قليلة فقد أصبحت الاحتمالات والخطوط الوهمية كثيرة ، كالذي يمتلك ثلاث أرقام من عددٍ سري مكوّن من عشرة أرقام ، والأصعب من ذلك إن الجن أرقام غير صحيحة ، وليست موجودة في الحسابات الرياضية المعروفة لدينا ، ونقصد إنهم ليسوا من مادة صنعنا لنقف على حقيقتهم ( أجناسهم .... صفاتهم .... طباعهم .... إمكانياتهم .... الجسدية والفكرية .... وإلخ ) ، ومن خلال الآيات المعدودة التي أطلعنا الله عليها في قرآنه ، نقول
1 – مادة صنعهم وهي النار .
2 – تاريخ خلقهم ، فهم خلق قديم ، خلقوا قبل آدم بآلاف السنين أي مذ اشتعلت الأرض بالنيران حتى بردت وبان ترابها .
3 – يَرونا ويسمعونَ ما نقول ويحاولون الاستماع حتى إلى ما يدار في السماء .
4 – فيهم الضال وفيهم المهتدي .
5 – لهم قدرات وإمكانيات تعتبر خارقة عند بني البشر .
6 – يستطيعون إيذاء البشر ، ويستطيع البشر الاستعانة بهم ولكن يسببون التيه والإرهاق .
7 – لهم أنبياء ورسل كما لنا ، لقوله تعالى { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ } الأنعام / 130
كما جاء في قوله تعالى { وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } الصافات
8 – ومن أخطرهم ، هم شياطينهم ، ما دلّتْ عليه الآيات
{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ(40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُون } سبأ /41
9 – يمارسون النكاح كما نمارسهُ نحن ، وهو ما دلت عليه الآية { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ } الرحمن / 56
10 – نسبوا لله صاحبةً وأولاداً من الجن ، كما فعلت النصارى .
{ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } الصافات / 185
{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سفهينا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} الجن /4
11 – أعمارهم طويلة جداً ، فهم لا يعانون من فناء المادة الجسدية التي نعاني منها ، بل يعانون من الخبوت ، كما تَخبُت النار ، وذلك بالعمل وبذل الجهد لذا فهم كسولين جداً ، رغم قواهم الخارقة ، وبسبب طاقاتهم الهائلة وقدراتهم على التنقل فهم يتمكنون من الوصول لنبأ الغيب دون علم الغيب ، راجع (شبهة علم ونبأ الغيب)
كل هذه المعلومات جاءت صريحة في القرآن الكريم ، وهي ثوابت لا يمكن استبعادها إذا ما رمنا معرفة الجن ، ومن خلال المعلومات آنفة الذكر فهناك استنتاجات .
أولاً – بما إنهم قد خلقوا من نار فلا أجساد لديهم ، لأنهم ليسوا بمادة بل طيف حراري ، وعليه يمكنهم التداخل في كل المواد الشفافة ، الناقلة للضوء والحرارة ، ولا يستطيعون أبدا الولوج في من كان فيه طيفاً حرارياً ، أو ما يسمى بالطيف الكهرومغناطيسي ، والطيف الحراري هو ما تلتقطه (الكاميرا الحرارية)(42) ، فهم من طيف النار اللا مرئي ، كما خُلقنا من طيف التراب المرئي ، وعليه فمن المحال دخول الجن في أجسادنا ، ولا في أجساد الحيوانات التي ما تزال على قيد الحياة ، لأن فيها طيفاً (الطاقة الحمراء) يمنعهم من الدخول ، كما تمنعنا العوارض المادية من الدخول فيها ، لذا فكل أساطير المشعوذين عن دخول الجن في الإنسان أو الحيوان محض خرافة ، فالجن يصطدم حتى بأسلاك الكهرباء ولا يستطيع اختراقها ، ويمكنهم رفع ودفع وايقاع ، الأشجار والحيوانات ، ونكتفي بما ورد ، فما بعد ذلك من تعامل بيننا وبينهم ، ليس من مواضيع بحثنا .
ثانياً – بما إن النار لها القدرة على التكاثر والانشطار ، فهم يتكاثرون بالانشطار ولا يتكاثرون بالولادة والانجاب .
وهناك من المفسرين من قال إن إبليس كان أبو الجن ، مثلما كان آدم للإنس ، وهذه المعلومة جاءت على أساس النطق بالموجود ، أي بما إنهم لا يعرفون شيئا عن الجن ولا يعرفون إسما من أسماء الجن أقدم خلقا من إبليس ، فأشاروا على أساس الموجود لديهم ، و أسندوا أساس الجنّ من صلبه ، لكن هناك من الجن من تمّ إبادتهم ، وهم المخلوقين من نار السموم ، ونار السموم هي النيران التي تكونت من الانفلاق الأعظم للكون ، إذ حصل انفجار مشابه تماما للانفجار النووي والذري ، فكل ما تكون لحظة الانفلاق الأعظم ، دبت الروح فيه إثر ما لنور الله من صفة الروح والحياة ، فخُلقَ الجان الملعون أول ما خلق ، وعليك أن تتخيل ، خلقاً من نار ذرية ونووية ، فلمّا ابيضّت ، خلق ابليس ومن ، هو من صنفه ، فالجن أجناس مختلفة وإبليس وذريته هم جنس من هذه الأجناس ،
فهم لا يختلفون باللون فقط مثلنا بل بالقوّة والقدرة ، كما النار تماماً ، فَكلما اختلفت النار بلونِها ، اختلفت بقوتها ، لكننا بعكس ذلك ، فكلما كانت بنيتنا ضعيفة ، من حيث التكوين من الطين كنّا أقوياء بالتفكير ، وكلما كنّا من حمإ مسنون ، كلما أصبحنا أقوياء البنية ، وضعفاء التفكير والاستنتاج ، فالجني الأحمر أقل الجن قوةً وأكثرهم عدداً ، وهو من النوع المسالم الضعيف ، وهو آخر الجن خلقاً ، ومن الممكن التعامل معه ،
لكنّ عقله كعقل الصبي غير المميز ، ومن الممكن أن تكلّفه بأمر فينساك ليلعب ، أمّا الأصفر فهو جنٌ يفوق بقوته الأحمر ، لكنه مؤذٍ أكثر منه ، وعقله عقل الصبي المميز ، و لأنّ ضوء الشمس يساوي طيفهم ، يمكن أن نطلق عليهم تسمية الشبح ، بعد ذلك يأتي الأخضر وهم العفاريت ، ولهم قدرات خارقة وعددهم قليل جداً ، وعقولهم كعقول المراهقين ، وأخيراً الأبيض ، وهو أجملهم و أحلاهم وأقواهم ، وعقولهم عقول البالغين ، و إبليس كان منهم وملكاً عليهم ، لذا فذريّة إبليس هم الأجمل شكلاً ، والأقدر عقلاً والأقوى بنيةً ، بين ذريات الجن ، وقد أنجب أو سينجب ثمان مرّات ، أي انشطر ثمان مرات ، كلما احس إن خليفة الله نزل الأرض ، لكن انشطاره أوهنه وجعله كبير السن ،
{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ}الرحمن/15 ، فالمارج أي من مختلف أطياف النار كما خلقنا الله من مختلف أطياف الأتربة ، ولكن التراب يخلط بالماء ليكون طيناً ، أما الطيف الحراري فيخلط بالأوكسجين (الغاز) فتتغير الوانه ، لذا فلا بد من الماء ، الذي يحوي على الأوكسجين ، ليتغيّر صنفهم للدرجات والأصناف التي ذكرناها ، ولا زواج بين أصنافهم أبداً ، لأن قدراتهم تتفاوت .
ثالثا – لهم أربع صور لأربع فصائل ، بعد انقراض إثنين منهم ، الأزرق والبنفسجي السامة ، اللذان خُلقا في لحظة الانفجار ، وقبل نزول الماء على الأرض ،
وكل فصيلة من هذه الفصائل ، تختلف اختلافا كبيرا عن الأخرى ، ورغم إنهم من ذكر و أنثى ، إلا إنهم لا يتكاثرون بالإنجاب والولادة ، بل بالانشطار ، واقرب تصور لهم كائنات وحيدة الخلية ، من حيث الانشطار ، و ينشطر الذكر على نفسه ، فيتّخذ ولداً ذكراً من نفس فصيلته ، وتنشطر الأنثى على نفسها فتتخذ بنتاً أنثى ، عليه فلا تتكاثر صورهم ، ولا تختلط فصائلهم مع الفصائل الأخرى ، و سواء أتوا الجماع يوميا أو سنويا ، فلا يكون انشطارهم إلا لمرة واحدة فقط ، و في اللحظة الأخيرة من حياتهم ، فما إن يخبت ويقترب من لحظات الموت حتى ينشطر ليكوّن ولداً له ، لذا فهم لا يتزايد عددهم بل يتناقص ، إلا إبليس كما ذكرنا ، وإبليس كان من الذين حاربوا الجن الأقدم من نار السموم ، وانتصروا عليهم ...
هذه الاختلافات أتت من اختلاف أطياف النار ، فالأساس إن كل الجن خلقوا من النار ، التي كانت تموج على الأرض من بعد الانفلاق العظيم ، فكان أول ما خلقت قبل نار الأرض هي فصائل من الجن المتمرد ، وكما ذكرنا من النار الذرية والنووية الفتاكة ، والتي أطلق عليها الله(جل جلاله) نار السموم ، وبعد أن بدأت الأرض تبرد ، حتى صارت النيران بيضاء اثر نزول الماء ، ووجود الأوكسجين ، وانخفاض حرارة الأرض ، فخُلق إبليس وجماعته منها ، و بعده العفاريت ولكن بعدد أكثر ، وبعدهم الأشباح ولما احمرت خُلقت بقية الجن بأعداد كثيرة ،
{قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك و إني عليه لقوي أمين } النمل/39
ولو لاحظت الآية أعلاه من سورة النمل ، ستجد إن العفريت ، أراد أن يقنع سليمان بأنه قوي أمين ، ومن الممكن أن يقول الأمين ، أو الذكي مثل هذا القول ، أما القوي فلا يقوله ، لأن القوى شيء ظاهر ، وليست كالفكر والأمانة ، أما القوي حين يقول ذلك ، فيعني أنه مشكوك في قوته وأمانته ، لكن الإنس الذي عنده علم من الكتاب لم يك بحاجةٍ لقول ذلك .
رابعا – كما تمعن في قوله تعالى { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ } الأنعام / 100
• خرَق الثَّوبَ : مزَّقه ، شقّه وثقبه (+)
أي جعلوه نصفين من البنين ومن البنات ، وهذا ما يسمّى عند الجن بالاختراق ، فالذكور ينشطرون إلى ذكور ، والاناث إلى إناث ، أما نحن البشر ، فيعتبرون أننا من المخرّقين ، أي إمكانية أن تنجب المرأة بنين وبنات ، فالخرق عندهم إمكانية أن ينشطر الذكر إلى ذكر وانثى ، فقد ظنوه حاشا لله ، إنه اخترق إلى بعض البنين والبنات وخدوا أبناءه ،
وكما ذكر لنا الله عزوعلا إن سليمان قد استخدمهم في بناء الهيكل ، وهذا سر عدم العثور على هيكل سليمان ، أو هذا الدليل على إن الجن والشياطين قاموا ببناء الهيكل لسليمان ، فمن قدرات هؤلاء أنهم ، بنو الهيكل بوجهين ، وجه البناء البشري الذي نعرفه ، ووجه آخر هو البناء اللا مرئي ، كما هي أبنيتهم التي لا نراها ، فإذا ما قرب أيّ لصٍ لسرقةِ التابوت ( تابوت العهد ) ينقلب الهيكل على وجهه الثاني ، فلا يرى من أحدٍ الهيكل ، ولا غُرفته ولا مكان وجود التابوت ، فالهيكل كله بعظمته ، بُنيَ لحفظ التابوت الذي هو تركة الأنبياء ، أي معاجزهم التي أعطاهم الله ، كعصى موسى وخاتم سليمان و سيف داوود ، وبمراجعة السبي البابلي ، تجد إنه لم يذكر أي منقول من المنقولات التي يعرفها اليهود ، والتي كانت في الهيكل .
{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } البقرة 282
وكانت قدراتهم العالية ، سبباً في أنهم لم يتعلموا لغة غنية بالمفردات للتخاطب بينهم ، فهم ليسوا بحاجةٍ لأن يستعينوا بلغةٍ للتفاهم بينهم ، حتى جاء الإنسان وتعلموا منه بعض اللغات القديمة ، كالعربيةِ والعبرية والسرياليةِ ، ولو أجريتَ دراسة لسورة الجن ، ونظرت ما لمستوى بيانهم وتعليمهم ، رغم أنهم سبقونا بآلاف السنين ، ستصل لقناعة تامة ، بأنهم قليلا ما يستخدمون اللغة ،
وهم أكثر الخلق غضباً بعد الجان المخلوق من نار السموم ، والذين أبيدوا جميعاً ، ولم يبقَ منهم إلا الأصناف الأربعة ، التي ذكرت ،
وكل ما عرضناه عليك في هذا المطلب ، مصدره القرآن ، والبحوث الحديثة عن الطيف الحراري ، و بمنظار العلوم الجنائية فقط لا غير .
المطلب الخامس عشر
شبهات النشأة الأولى
من حيث مقوماتها
النور { الروح والعلم }
لهذا الكون مخلوقاته و مكوناته ، كما إن له مقوّماته ، فمَخلوقاته خُلقتْ من مكوناته ، وهي التراب والنار والفراغات الكونية ، أما الماء فهو مما عَـرَشَهُ الله لهذه الأرض لا لغيرها من الكواكب ، وهو قد نتج أيضاً إثر الانفلاق الأعظم كما سنرى ، و هو ما أحيا بهِ كل شيء بهذه الأرض ، حتى بني البشر ، كما أحيانا بالروح ، فلولاه ما نَبُتَ من نباتٍ ، ولا دبّتْ الحياة في هذه المعمورة ، وكنا والكواكب الميتة على حدٍ سواء ،
{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } هود/7
كيف لهم أن يتجرعوا البهتان على رب السماوات والأرض ، وكيف لخالقنا أن ينتقل من عرشٍ لعرش ، إنما كان الماء من معروشاته ، كما كُــنّا والجن ، أي الذرية ، من معروشات خلافة الأرض ،
ونحن الآن سنبحث في مقومات هذا الوجود ، بعدما بحثنا في مخلوقاته ، ومقوماته هي نور الله من مشيئته وحسب ، فخدمتْ الملائكة ما كان من مشيئته ، وقد بين سبحانه إن الأيام الستة هو انفجار السماوات الستة ، ومن ضمنهن سماءنا ، لكنه رتبهن في يومين ، يوم فيه الانفجار ، ويوم فيه تنظيم الأفلاك ، و سنوضّح ذلك في الفروع أدناه .