الفرع الثالث
الزلل عن الشجرة
سورة البقرة
{ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
أعاد الله سبحانه وتعالى لـ ( أدَم و أديم ) تنظيم حياتِهما و استقرارهِما في الجنة ، وأضاف لهما الرغد في الأكل على أن لا يَقربا الشجرة – وهنا لم يذوقا ولم يأكُلا ، إنما جزعا من الشجرة ، فقررا الابتعاد عنها و عدم الاعتراف بملكها و بخلودِها ، و بذلك اقترفا الذنب الذي لابد بعده من خروجهما ، أي أصبح خروجهما هنا تنفيذا للقضاء السابق عليهما ، فَنستنتج أنهما خرجا بالإرادة الحرة ، ولو قال لهما الله أخرجا كما أمر إبليس فلن يَدخلا الجنة هما ولا ذريتهما أبدا ، وإن كانت تلكم الجنة على الأرض أم جنة الخلد كما تحدث العلماء عن ذلك ، لكن الحقيقة بين هذا وذاك ، أي إن الجنة التي كانا فيها ، هي ذاتها جنة الخلد ، ولكن قبل أن تتطور لتصل للخلد ، أي إن آدم لو صبر ونفّذ أمر ربه ، بعدم الاقتراب من الشجرة ، لاعتلى الملك والخلد دون أن يعجل ، فعجلته التي أودت به ، كما يبدو لنا جليا إن هذه المرة ، أخرجهما الشيطان مما كانا فيه أي من مقام الجنة ، فأمر الله سبحانه وتعالى الذريّات الأخيرة بالهبوط ( وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) ،
أما خروجهما فلم يكن إلا تنفيذا للقضاء السابق لذا خرجا مما كانا فيه (فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ)
والهبوط لا يعني الخروج ، لأن الهبوط تأتي للمقامات ، لذا فجوّز الباري من يتبع هُداه بالرقي لها ، حتى وإن كان في الحياة الدنيا كما روي عن إدريس النبي (ص) ، ونتابع
إن كلام الشيطان الوارد في الآيات هو ما يختلج في صدريهما من حديث ، فإذا كان الشيطان ثالثا بينهما ، ويرونه ويَراهما لخَالفنا الكثير من الآيات ،{ يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }
وهذا ما يؤكد إنهما ما رأيا الشيطان ، كما إن الوسواس كما بينهُ تعالى لنا ( الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ) الناس/6 ، أي حتى الإنس ، و بالحس المشترك عندهم من الشيطان ، يوسوس بعضهم لبعض ،
وننوه - أن إبليس بعد عصيانه ، أصبح قبيلة الشيطان والشيطان قبيلة إبليس ، وأصبحا أولياء لبعضهم البعض ، كما بينه تعالى { وكذلك جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ } ،
فلا إشكال أن نشير لأحدهم بإسم الآخر ، أي من الممكن أن ننادي الإنس بالشياطين ، و ننادي الجن بالشياطين ، ولكن قبل هذا ، لنعرف ، من هو إبليس قبل أن يكون شيطاناً كباقي شياطين الإنس والجن ، لأن الشيطان مجرد طيف حسي لكلّ المخلوقات ، فإذا اتبعتْ شياطينها ، أصبحت والشياطين نفس واحدة ، وإذا اتبعت الهدى أصبحتَ بمنزلة الأنبياء وبنفس واحدة من دون وحي طبعاً ، لأن الوحي أختتم ،
- و لو راجعت بحثنا في إبليس ، لوجدت إن الشيطان ليس هو إبليس ، بل كان الشيطان في طينة آدم ، وكذا في الذرية و لأعطيك فكرة مقتضبة عن الشيطان ، كل شيء خلقه الله من غير نوره بالكامل ، تتخلله قوى من الشر ، تناظر قوى الخير الذي في نور الله ،
فالشيطان خُلق يوم تكوّن هذا الوجود من اللا موجود ، فنوره تعالى يحوي الروح والخلود ، وهذا المخلوق يحوي على الفناء والموت ، وستعرف في بحثنا اللاحق إنه أوجد ظلاما ، يعاكس نور إرادته تماماً ، و أدخل نوره فكان الوجود كله ، (استحداث الكون) ، لكن عباد الله المخلّصين من الشيطان ، هم برهان الله على أن هناك من المخلوقات من غير نور الله بالكلّيّة ، أمكنها التصدي للشيطان ،
ومن تصدى لشيطانه لن يتمكن منه إبليس بالنتيجة ، كما إن نوايا الشيطان تختلف بين شخص لآخر ، و كلها نوايا شهوانية ، أمّا نوايا إبليس ، ففي اتجاه واحد مهما تعددت الوسائل وهي عدوانية ، وهي في محاربة ذرية آدم ، ومنعهم من الاعتراف بالله وأنبيائه وكتبه وخليفته ، فمن طمح لخلافة الأرض منّا أو من الجن ، ستلتقي فيه نوايا إبليس ، ونوايا الشيطان في آن واحد .
وعن قضية السوءة التي حلّت بهما مرّتين ، وفي الثالثة لم يرجعهم الله إلى سابق عهدهما بل خرجا من الجنة ، فهنا السوءة هي الأجساد التي يمتلكونها ، فلم يكونا ينظران إلّا لنورٍ ، كما سنكون في الجنة ، وقد تكون الفكرة علمياً ، أننا ننظر للتلفاز بالصورة (XY) ولما بدت السوءة نظر الأخوين (3D) . فنحن في الجنة ، تختلف الفكرة ، فعيوننا سوف ترى بوجه واحد مثلاً ، ومن حولنا أي الجنة ، بأبعاد مختلفة ، لأن قوله تعالى ، {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} ق/22
وكأنما تشير لتغير ما حولنا وتعديل خاص في بصرنا ، كتعديل العين المسلحة ،
واللباس هنا لا يعني الملبس ، بل قابلية الانضمام لبعضهما بصورة واحدة لكل منهما ، فلما بدا إلحاح النفس الجديدة للخروج ، لأنها خرجت عن طبيعتها كنفسٍ مطمئنة ، وأرادت الحياة والملك فيه ، وأصبحت مكتملة للخروج منهما ، وبذلك فلن يكونا بعد ذلك في لباس واحد ، بل صح أن نقول ، أنهما لم يكونا مرتدين أي ملبسٍ ، لأنهما لم يكونا يعرفان أي جنسٍ هما ، ولم ينظرا لأجساد بعضهما البعض ، فلما بان لهما جنسيهما ، وإنهما من جنس واحد ، توجب أن لا يكونا بعد هذا لباسا لبعض ،
وقوله تعالى ( لا تعرى ) لا يعني العري الجسدي ، بل يعني العري الجسدي والمعنوي ، أي الفضيحة ، فإذا كان العري بمعناه المعنوي ، فلماذا قاما بتغطية أجسادهم ، وإذا كان بالمعنى المادي ، فكيف ذلك وقد سبقت من الله كلمته لآدم ، أن لا تعرى في الجنة ، ما لم تقرب الشجرة ، وقد قربها وهو في الجنة ، بدليل أخذه لشجر الجنة ، عليه فهو مازال في الجنة وهو عريان ،
وفعلهما هذا كان منسجما مع نفس الذرية ، التي كانت فيهما ، ولم ينتج عن نفسيهما بشكل مستقل ، لأن نفسيهما ، وأنفس الذرية كانت واحدة ، ولما أزلهما الشيطان عن الشجرة هذه المرة ، خلقت النفس الأمّارة بالسوء ، وهنا وصلت النفس إلى أعلى مستوى للإثم فتكونت الذريّات الجاحدة لله والمعاندة ، وهنا أصبحت جميع الذريّات جاهزة لدخول النار ، من اللواتي ذاقا و أكلا و أزلّهما الشيطان عنها ، كما ذكرنا ولكن لكي لا يعترضوا أنهم يدخلون النار لمجرد الأكل من الشجرة ، أمر الله بدخولهم الدنيا ، ليثبت لهم أن ما فعلوه في الجنة مع الشجرة ، هو نفسه ما سيفعلونه مع الأنبياء والأوصياء وكتبه وملائكته ، لذا تلقى آدم و زوجه الآخر كلماتٍ لأجل دخول الحياة الدنيا ، ولتَعد نفسيهما إلى سابق عهدها ، أمّا الذرية فشهدت ، كما شهد آدم وزوجه بالربوبية .....
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)/ الأعراف
وخلق الله لهما وقتها ستة أناث ، لكل منهما ثلاثة ، لتنزل كل نطفة في أنثى ، ومن العار أن نقول خلق الله من ضلوعِهما ومن لحمِهما الإناث ، لأنه سبحانه يَقل للشيء كن فيكون ، فلا داعي لتلك القصص الهزلية ، لأنه من جهة فإن الذريات التي يحملها آدم وزوجه ، هي من الذكور ومن الاناث ، أما اللواتي تزوجهن آدم و زوجه ، فهن نساء بألوانٍ مختلفةٍ ، وأشكالٍ وألسن مختلفة ، ليزيد الله من تعدد أشكال الذريّات ،
= إذا كان من الصعب تقبل ما طرحته لك آنفاً ، فالأصعب ربما أن تعلم إن آدم وزوجه أو أدَم و أديم ،كما أسْميناهما ، هما ( هابيل وقابيل ) ، فهما إبني آدم بعد أن هبطا منها ، و نوديَا بهذا الاسم من قِبلِ أبنائهِما ، و عرفا بهذا الاسم في الكتب السماوية ، وبعد أن تزوج كل منهما ثلاث زوجات ، وكان كل منهما يجري العقد لأخيه ، وبعد زواجهما على الثلاث نساء ، جاءت حواء وامرأة أخرى بجمال حواء ، ومن سيقبل قربانه سيتزوج حواء أم الأنبياء ، ويكون هو وذريته ، سيداً على أخيه الآخر ، فالقُربان ينبغي أن يكون ثمنا ، لتلك الكلمات التي لقّها الله لهما ، ليتوب عليهما ، واختباراً للسيادة بقدرة الاستنباط ، لذا على الأخوين أن يقدما قربانا لقاء هذه التوبة ، ليسمح الله ، لهذه النفس مع نطفتها بالخروج ، وتكون لها إرادتها المستقلة ، بإقرار منها لا بتقريرٍ عليها ، وهما لحد الآن ، لم يزالا آدم ، لأن كلاهما يحمل ذات النفس ، رغم الخصام الحاصل بينهما ، فكل منهما يتهم الآخر ، بأنه هو السبب في الخروج من الجنة وإثمهما ، وإذ قدم هابيل قربانا قـُبل وما قـُبل من قابيل ، وقعت الفتنة بينهما ، ولم تكن فيهما ، ولا في أصْلابهما نفسا مخالفة لما تكونت في الآخر ، إلا في هذه الساعة وعلى الأرض ، فاستقرّت النفس المطمئنة في هابيل ، وتحولت النفس المطمئنة في قابيل ، إلى الضد وهي النفس الحاسدة ، المجرمةٍ كنفس إبليس ، في هذه الساعة فقط ، وفي هذه اللحظة ، انفصلت الآدمية عنهما ، وأصبحا هابيل وقابيل ،
فلما تقبل الله(جل جلاله) من هابيل وتزوج هابيل حواء ، وأنجبت له ذرية أول الأنبياء ، تحامل عليه قابيل وعلى ذريته ، التي أصبحوا أسياداً عليه وعلى ذريته ، ورفض أن يقوم هابيل بإجراء العقد له مع زوجته الجديدة ،كونه أصبح الوالي عليه شرعا ، فقرب حواءه دون عقد ، فأنجبت له قتلة الأنبياء ، فتكونت فيه النفس الحاسدة المجرمة ، فباتت في قابيل وذريته التي من بعده ،
وقتل أخاه كما نعرف في القصة ، التي ذكرها لنا القرآن ، وبعد قتله لأخيه ، اكتشف إنه أغبى حتى من الغراب ، الذي يعرف كيف يواري سوءة أخيه ، وعِلم وقتها أن الله اختار هابيل ، لما وجده فيه من قدرة على فهم تعاليم الله ، واستنباطها ، ، وللتوضيح حول قتلة الأنبياء ، وهل هم كلهم من ذرية قابيل ،
= إبليس هو أول من رامَ قتل الأنبياء ، فهل قتلهم هو بنفسه ، وهو أول من توعّد بإغواء بني آدم لقتل الأنبياء ، فهل رأيته يغوي أحداً ، كذا الشيطان ، لذا فإن لكلٍ دوره ، وللنساء دورها من ذرية قابيل ، و للاختلاط والتجانس الكبير ، ولهما معا ، أي إننا وهابيل وقابيل ، سبق وأن اتفقنا على التذوق والأكل من الشجرة ، فكيف لا نتفق على قتل الأنبياء ، لذا لن ينفرد هابيل وذريته بالصالحين من عباد الله ، ولن ينفرد قابيل بالطالحين ، وإن كان الأنبياء كلهم من ذرية هابيل ،
و نسأل ماذا لو كانت الذريات لم تأكل الشجرة بواسطة آدم ما كان حصل .....
الجواب لبقيت من نفس واحدة ، عزيزة كريمة مطمئنة ، ولو صبرتْ لأصبحت خالدة ، كخلود من يدخل الجنة من الصالحين ، وكما سَيتخلّد منّا في الجنة ، من لم يعص الله في الدنيا ، فقد استعجلتِ الخلود وهو لهم ، واستعجلت الملك وهو لله عزوعلا ، وكما أسأل هل أتهم نفسي بما قامت به الذريّات من قبل .....
- الجواب ضرب الله لي مثلا عظيما في هذه القصة ، أن نفسي لو وضعها في آدم لفعلت نفس الفعل ، الذي تقدم من الذرية السابقة ، فما نفع التكرار ، بل أنا على يقين من إني وأنت ، كنا تلك الذريّات التي أكلت أو استغفرت أو أزلها الشيطان أو هداها الله ، أي إن الأنفس كلها أما مطمئنة أو لوامة ، أو غاوية ، أو مجرمة حاسدة ،
فلماذا خلق الذكرين ....
- الجواب - لأن سنته سبحانه كانت ومازالت ، تقضي بحرمة زواج الأخوة ، سواء من الأب أو من الأم ، وسوف تلاحظ في مطلب هابيل وقابيل ، تفصيل عن ذلك ، وقابيل كان أسودا وهابيل أبيضاً ، لأن من قضاءه اختلاف الألوان ، والآيات صريحة بأن أحدهم كانت بشرته من حمأ مسنون والآخر طينا ، وسوف نتناول ذلك وكيف أن الله أخذ من قشرة الأرض اللينة البيضاء ، ومن الحمأ المسنون الأسود ، وبعد ذلك تأثّر اللون بالزوجات ، فتعددت الألوان ،
فلِمَ لَم يخلق ذكرين ومعهما امرأتين ، وأدخل الذكرين الجنة من الأساس ،وهذا سؤال يحتاج بعض التوضيح الدقيق ،
أوضحنا سابقا إن الله أوجب أن لا يرجع من أحد الى الجنة ، حتى يجتاز الامتحان الدنيوي ، وهذه الجنة التي كانا فيها ، هي مصغر للدنيا القادمة للذرية و نموذج مصغر لجنة الخلد ، ولكي لا تحتاج الأنفس لصنع الطعام ، و جلب الشراب وضعها الله في الجنة ، أي لماذا أيتها الأنفس طمعتِ بشجرة ، وقلت لكِ هذه جنة فكلي منها ، فلو وضعها في حاجة ما ، لادعت الأنفس أنها عصت لحاجة الأكل والشرب ، وهنا الاختبار كله كما تلاحظ للذرية ، ومن يحمل الذريات هو الرجل ، ولا دخل للأنثى بحمل الذرية حتى تخرج لتنقلها إلى التكوين الجسدي ،
ونسأل ......حينما نادى الله آدم بـ(أنت) وزوجك ، فمن كان يقصد بـ(أنت) .. ومن كان يقصده بزوجك ....
الجواب – بدايةً فإن هابيل أكبر عمراً من قابيل ، لأنه كان أول من سجدت الملائكة له ، ودبّت الروح فيه ، رغم أنه أقدم كعجينة منه ، لأن الحمأ أقد وجوداً من التراب ، رغم إن عجينة قابيل أعدت قبل عجينة هابيل ، كما سيمر بنا في شبهة هابيل وقابيل ، وبعد ذلك لننظر إلى عاقبة كل منهما ، لنعرف من كان يقصده بآدم ، فنرى جليا أن هابيل هو من بقي على طبع ونفس آدم الأول ، قبل الاثم والهبوط ، لذا فكان يكلم هابيل ، بأنت وقابيل باسم زوجك ، ولأن السكن عاد لهابيل ، ونؤكد قولنا إن هابيل كان أبيض اللون وقابيل كان أسوداً ،
فما يؤكد ذلك .... من المقبول أن تكون كل الأنبياء من نسل هابيل فنفسه عليه السلام كانت راضية ، وهي التي سرعان ما تحولت لنفسٍ مطمئنة ، وبما إن الأنبياء الذين نعلمهم مقاربين للبشرة البيضاء ، فهذا يعني إن هابيل كان أبيض ، ومن المفسرين من يذكر إن موسى كان أسمراً ، بدليل اليد البيضاء ،
لا بأس فهذا الأمر لا يعتبر مخلفا ، لأنه إن صح ، فهي طريقة أراد بها الله جل جلاله ، إنقاذ موسى من أن يقتله فرعون ، لأن المعروف عن بني إسرائيل أنهم بيض البشرة ، فالكنعانيون كانوا يمتازون بذلك ، عن الفراعنة ، هذا وإن الأخذ بالآية على أنها دليل على السمرة ، غير معقول ولا مقبول ، لأن ذلك يعني إن السمرة والسواد من السوءة ، وإبليس أول من قال بذلك ، و سنتناوله بالتفصيل في جزئنا القادم انشاء الله .
..فما ذنب قابيل أن يخلق أسودا ..
الجواب – نحن الآن ربما نأنف من اللون الأسود ، ونعتقد إن سر الجمال هو اللون الأبيض ، لكن هابيل وقابيل ، لم يعرفا فلسفة الجمال بعدُ ، وما يعرف أحدهما من كان أجمل من الآخر ، فكون قابيل أسوداً لم يكن ذنبا ، و كون هابيل أبيضا لم يكن إكراما ، ولو كانت النتيجة هكذا ، ولابد أن نبين إن أول من أنف من البشرة السوداء ، هو إبليس ، إذ قال لم أكن لأسجد لبشرٍ خلقته من صلصالٍ من حمإٍ مسنون ،
وأخيرا وليس آخرا ، فإن كل ما ذكرته ، لم أأتي بحرف واحد منه ، بل إن آيات الله وعظمته قالت ما نقلته لكم ، و إيمانك بالله هو من سيدفَعك للتعرّف على حقيقة الآيات ، التي أضفى الله عليهن الغموض ، ولا يوجد في التوراة والإنجيل ، أي معلومة صغيرة أو كبيرة ، فيما يخص خلق الخلق ، يمكن أن نقرّ بأنها لم تذكر في القرآن كما ذكرنا سابقا ، وكما سنراه لاحقا في الكتاب القادم ،
وللتوضيح أكثر بخصوص خلق هابيل وقابيل نذكرها بمطلب مستقل ونعيد كل ما قلناه بشكل أكثر تبسيط .
الزلل عن الشجرة
سورة البقرة
{ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
أعاد الله سبحانه وتعالى لـ ( أدَم و أديم ) تنظيم حياتِهما و استقرارهِما في الجنة ، وأضاف لهما الرغد في الأكل على أن لا يَقربا الشجرة – وهنا لم يذوقا ولم يأكُلا ، إنما جزعا من الشجرة ، فقررا الابتعاد عنها و عدم الاعتراف بملكها و بخلودِها ، و بذلك اقترفا الذنب الذي لابد بعده من خروجهما ، أي أصبح خروجهما هنا تنفيذا للقضاء السابق عليهما ، فَنستنتج أنهما خرجا بالإرادة الحرة ، ولو قال لهما الله أخرجا كما أمر إبليس فلن يَدخلا الجنة هما ولا ذريتهما أبدا ، وإن كانت تلكم الجنة على الأرض أم جنة الخلد كما تحدث العلماء عن ذلك ، لكن الحقيقة بين هذا وذاك ، أي إن الجنة التي كانا فيها ، هي ذاتها جنة الخلد ، ولكن قبل أن تتطور لتصل للخلد ، أي إن آدم لو صبر ونفّذ أمر ربه ، بعدم الاقتراب من الشجرة ، لاعتلى الملك والخلد دون أن يعجل ، فعجلته التي أودت به ، كما يبدو لنا جليا إن هذه المرة ، أخرجهما الشيطان مما كانا فيه أي من مقام الجنة ، فأمر الله سبحانه وتعالى الذريّات الأخيرة بالهبوط ( وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ) ،
أما خروجهما فلم يكن إلا تنفيذا للقضاء السابق لذا خرجا مما كانا فيه (فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ)
والهبوط لا يعني الخروج ، لأن الهبوط تأتي للمقامات ، لذا فجوّز الباري من يتبع هُداه بالرقي لها ، حتى وإن كان في الحياة الدنيا كما روي عن إدريس النبي (ص) ، ونتابع
إن كلام الشيطان الوارد في الآيات هو ما يختلج في صدريهما من حديث ، فإذا كان الشيطان ثالثا بينهما ، ويرونه ويَراهما لخَالفنا الكثير من الآيات ،{ يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }
وهذا ما يؤكد إنهما ما رأيا الشيطان ، كما إن الوسواس كما بينهُ تعالى لنا ( الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ) الناس/6 ، أي حتى الإنس ، و بالحس المشترك عندهم من الشيطان ، يوسوس بعضهم لبعض ،
وننوه - أن إبليس بعد عصيانه ، أصبح قبيلة الشيطان والشيطان قبيلة إبليس ، وأصبحا أولياء لبعضهم البعض ، كما بينه تعالى { وكذلك جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ } ،
فلا إشكال أن نشير لأحدهم بإسم الآخر ، أي من الممكن أن ننادي الإنس بالشياطين ، و ننادي الجن بالشياطين ، ولكن قبل هذا ، لنعرف ، من هو إبليس قبل أن يكون شيطاناً كباقي شياطين الإنس والجن ، لأن الشيطان مجرد طيف حسي لكلّ المخلوقات ، فإذا اتبعتْ شياطينها ، أصبحت والشياطين نفس واحدة ، وإذا اتبعت الهدى أصبحتَ بمنزلة الأنبياء وبنفس واحدة من دون وحي طبعاً ، لأن الوحي أختتم ،
- و لو راجعت بحثنا في إبليس ، لوجدت إن الشيطان ليس هو إبليس ، بل كان الشيطان في طينة آدم ، وكذا في الذرية و لأعطيك فكرة مقتضبة عن الشيطان ، كل شيء خلقه الله من غير نوره بالكامل ، تتخلله قوى من الشر ، تناظر قوى الخير الذي في نور الله ،
فالشيطان خُلق يوم تكوّن هذا الوجود من اللا موجود ، فنوره تعالى يحوي الروح والخلود ، وهذا المخلوق يحوي على الفناء والموت ، وستعرف في بحثنا اللاحق إنه أوجد ظلاما ، يعاكس نور إرادته تماماً ، و أدخل نوره فكان الوجود كله ، (استحداث الكون) ، لكن عباد الله المخلّصين من الشيطان ، هم برهان الله على أن هناك من المخلوقات من غير نور الله بالكلّيّة ، أمكنها التصدي للشيطان ،
ومن تصدى لشيطانه لن يتمكن منه إبليس بالنتيجة ، كما إن نوايا الشيطان تختلف بين شخص لآخر ، و كلها نوايا شهوانية ، أمّا نوايا إبليس ، ففي اتجاه واحد مهما تعددت الوسائل وهي عدوانية ، وهي في محاربة ذرية آدم ، ومنعهم من الاعتراف بالله وأنبيائه وكتبه وخليفته ، فمن طمح لخلافة الأرض منّا أو من الجن ، ستلتقي فيه نوايا إبليس ، ونوايا الشيطان في آن واحد .
وعن قضية السوءة التي حلّت بهما مرّتين ، وفي الثالثة لم يرجعهم الله إلى سابق عهدهما بل خرجا من الجنة ، فهنا السوءة هي الأجساد التي يمتلكونها ، فلم يكونا ينظران إلّا لنورٍ ، كما سنكون في الجنة ، وقد تكون الفكرة علمياً ، أننا ننظر للتلفاز بالصورة (XY) ولما بدت السوءة نظر الأخوين (3D) . فنحن في الجنة ، تختلف الفكرة ، فعيوننا سوف ترى بوجه واحد مثلاً ، ومن حولنا أي الجنة ، بأبعاد مختلفة ، لأن قوله تعالى ، {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} ق/22
وكأنما تشير لتغير ما حولنا وتعديل خاص في بصرنا ، كتعديل العين المسلحة ،
واللباس هنا لا يعني الملبس ، بل قابلية الانضمام لبعضهما بصورة واحدة لكل منهما ، فلما بدا إلحاح النفس الجديدة للخروج ، لأنها خرجت عن طبيعتها كنفسٍ مطمئنة ، وأرادت الحياة والملك فيه ، وأصبحت مكتملة للخروج منهما ، وبذلك فلن يكونا بعد ذلك في لباس واحد ، بل صح أن نقول ، أنهما لم يكونا مرتدين أي ملبسٍ ، لأنهما لم يكونا يعرفان أي جنسٍ هما ، ولم ينظرا لأجساد بعضهما البعض ، فلما بان لهما جنسيهما ، وإنهما من جنس واحد ، توجب أن لا يكونا بعد هذا لباسا لبعض ،
وقوله تعالى ( لا تعرى ) لا يعني العري الجسدي ، بل يعني العري الجسدي والمعنوي ، أي الفضيحة ، فإذا كان العري بمعناه المعنوي ، فلماذا قاما بتغطية أجسادهم ، وإذا كان بالمعنى المادي ، فكيف ذلك وقد سبقت من الله كلمته لآدم ، أن لا تعرى في الجنة ، ما لم تقرب الشجرة ، وقد قربها وهو في الجنة ، بدليل أخذه لشجر الجنة ، عليه فهو مازال في الجنة وهو عريان ،
وفعلهما هذا كان منسجما مع نفس الذرية ، التي كانت فيهما ، ولم ينتج عن نفسيهما بشكل مستقل ، لأن نفسيهما ، وأنفس الذرية كانت واحدة ، ولما أزلهما الشيطان عن الشجرة هذه المرة ، خلقت النفس الأمّارة بالسوء ، وهنا وصلت النفس إلى أعلى مستوى للإثم فتكونت الذريّات الجاحدة لله والمعاندة ، وهنا أصبحت جميع الذريّات جاهزة لدخول النار ، من اللواتي ذاقا و أكلا و أزلّهما الشيطان عنها ، كما ذكرنا ولكن لكي لا يعترضوا أنهم يدخلون النار لمجرد الأكل من الشجرة ، أمر الله بدخولهم الدنيا ، ليثبت لهم أن ما فعلوه في الجنة مع الشجرة ، هو نفسه ما سيفعلونه مع الأنبياء والأوصياء وكتبه وملائكته ، لذا تلقى آدم و زوجه الآخر كلماتٍ لأجل دخول الحياة الدنيا ، ولتَعد نفسيهما إلى سابق عهدها ، أمّا الذرية فشهدت ، كما شهد آدم وزوجه بالربوبية .....
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)/ الأعراف
وخلق الله لهما وقتها ستة أناث ، لكل منهما ثلاثة ، لتنزل كل نطفة في أنثى ، ومن العار أن نقول خلق الله من ضلوعِهما ومن لحمِهما الإناث ، لأنه سبحانه يَقل للشيء كن فيكون ، فلا داعي لتلك القصص الهزلية ، لأنه من جهة فإن الذريات التي يحملها آدم وزوجه ، هي من الذكور ومن الاناث ، أما اللواتي تزوجهن آدم و زوجه ، فهن نساء بألوانٍ مختلفةٍ ، وأشكالٍ وألسن مختلفة ، ليزيد الله من تعدد أشكال الذريّات ،
= إذا كان من الصعب تقبل ما طرحته لك آنفاً ، فالأصعب ربما أن تعلم إن آدم وزوجه أو أدَم و أديم ،كما أسْميناهما ، هما ( هابيل وقابيل ) ، فهما إبني آدم بعد أن هبطا منها ، و نوديَا بهذا الاسم من قِبلِ أبنائهِما ، و عرفا بهذا الاسم في الكتب السماوية ، وبعد أن تزوج كل منهما ثلاث زوجات ، وكان كل منهما يجري العقد لأخيه ، وبعد زواجهما على الثلاث نساء ، جاءت حواء وامرأة أخرى بجمال حواء ، ومن سيقبل قربانه سيتزوج حواء أم الأنبياء ، ويكون هو وذريته ، سيداً على أخيه الآخر ، فالقُربان ينبغي أن يكون ثمنا ، لتلك الكلمات التي لقّها الله لهما ، ليتوب عليهما ، واختباراً للسيادة بقدرة الاستنباط ، لذا على الأخوين أن يقدما قربانا لقاء هذه التوبة ، ليسمح الله ، لهذه النفس مع نطفتها بالخروج ، وتكون لها إرادتها المستقلة ، بإقرار منها لا بتقريرٍ عليها ، وهما لحد الآن ، لم يزالا آدم ، لأن كلاهما يحمل ذات النفس ، رغم الخصام الحاصل بينهما ، فكل منهما يتهم الآخر ، بأنه هو السبب في الخروج من الجنة وإثمهما ، وإذ قدم هابيل قربانا قـُبل وما قـُبل من قابيل ، وقعت الفتنة بينهما ، ولم تكن فيهما ، ولا في أصْلابهما نفسا مخالفة لما تكونت في الآخر ، إلا في هذه الساعة وعلى الأرض ، فاستقرّت النفس المطمئنة في هابيل ، وتحولت النفس المطمئنة في قابيل ، إلى الضد وهي النفس الحاسدة ، المجرمةٍ كنفس إبليس ، في هذه الساعة فقط ، وفي هذه اللحظة ، انفصلت الآدمية عنهما ، وأصبحا هابيل وقابيل ،
فلما تقبل الله(جل جلاله) من هابيل وتزوج هابيل حواء ، وأنجبت له ذرية أول الأنبياء ، تحامل عليه قابيل وعلى ذريته ، التي أصبحوا أسياداً عليه وعلى ذريته ، ورفض أن يقوم هابيل بإجراء العقد له مع زوجته الجديدة ،كونه أصبح الوالي عليه شرعا ، فقرب حواءه دون عقد ، فأنجبت له قتلة الأنبياء ، فتكونت فيه النفس الحاسدة المجرمة ، فباتت في قابيل وذريته التي من بعده ،
وقتل أخاه كما نعرف في القصة ، التي ذكرها لنا القرآن ، وبعد قتله لأخيه ، اكتشف إنه أغبى حتى من الغراب ، الذي يعرف كيف يواري سوءة أخيه ، وعِلم وقتها أن الله اختار هابيل ، لما وجده فيه من قدرة على فهم تعاليم الله ، واستنباطها ، ، وللتوضيح حول قتلة الأنبياء ، وهل هم كلهم من ذرية قابيل ،
= إبليس هو أول من رامَ قتل الأنبياء ، فهل قتلهم هو بنفسه ، وهو أول من توعّد بإغواء بني آدم لقتل الأنبياء ، فهل رأيته يغوي أحداً ، كذا الشيطان ، لذا فإن لكلٍ دوره ، وللنساء دورها من ذرية قابيل ، و للاختلاط والتجانس الكبير ، ولهما معا ، أي إننا وهابيل وقابيل ، سبق وأن اتفقنا على التذوق والأكل من الشجرة ، فكيف لا نتفق على قتل الأنبياء ، لذا لن ينفرد هابيل وذريته بالصالحين من عباد الله ، ولن ينفرد قابيل بالطالحين ، وإن كان الأنبياء كلهم من ذرية هابيل ،
و نسأل ماذا لو كانت الذريات لم تأكل الشجرة بواسطة آدم ما كان حصل .....
الجواب لبقيت من نفس واحدة ، عزيزة كريمة مطمئنة ، ولو صبرتْ لأصبحت خالدة ، كخلود من يدخل الجنة من الصالحين ، وكما سَيتخلّد منّا في الجنة ، من لم يعص الله في الدنيا ، فقد استعجلتِ الخلود وهو لهم ، واستعجلت الملك وهو لله عزوعلا ، وكما أسأل هل أتهم نفسي بما قامت به الذريّات من قبل .....
- الجواب ضرب الله لي مثلا عظيما في هذه القصة ، أن نفسي لو وضعها في آدم لفعلت نفس الفعل ، الذي تقدم من الذرية السابقة ، فما نفع التكرار ، بل أنا على يقين من إني وأنت ، كنا تلك الذريّات التي أكلت أو استغفرت أو أزلها الشيطان أو هداها الله ، أي إن الأنفس كلها أما مطمئنة أو لوامة ، أو غاوية ، أو مجرمة حاسدة ،
فلماذا خلق الذكرين ....
- الجواب - لأن سنته سبحانه كانت ومازالت ، تقضي بحرمة زواج الأخوة ، سواء من الأب أو من الأم ، وسوف تلاحظ في مطلب هابيل وقابيل ، تفصيل عن ذلك ، وقابيل كان أسودا وهابيل أبيضاً ، لأن من قضاءه اختلاف الألوان ، والآيات صريحة بأن أحدهم كانت بشرته من حمأ مسنون والآخر طينا ، وسوف نتناول ذلك وكيف أن الله أخذ من قشرة الأرض اللينة البيضاء ، ومن الحمأ المسنون الأسود ، وبعد ذلك تأثّر اللون بالزوجات ، فتعددت الألوان ،
فلِمَ لَم يخلق ذكرين ومعهما امرأتين ، وأدخل الذكرين الجنة من الأساس ،وهذا سؤال يحتاج بعض التوضيح الدقيق ،
أوضحنا سابقا إن الله أوجب أن لا يرجع من أحد الى الجنة ، حتى يجتاز الامتحان الدنيوي ، وهذه الجنة التي كانا فيها ، هي مصغر للدنيا القادمة للذرية و نموذج مصغر لجنة الخلد ، ولكي لا تحتاج الأنفس لصنع الطعام ، و جلب الشراب وضعها الله في الجنة ، أي لماذا أيتها الأنفس طمعتِ بشجرة ، وقلت لكِ هذه جنة فكلي منها ، فلو وضعها في حاجة ما ، لادعت الأنفس أنها عصت لحاجة الأكل والشرب ، وهنا الاختبار كله كما تلاحظ للذرية ، ومن يحمل الذريات هو الرجل ، ولا دخل للأنثى بحمل الذرية حتى تخرج لتنقلها إلى التكوين الجسدي ،
ونسأل ......حينما نادى الله آدم بـ(أنت) وزوجك ، فمن كان يقصد بـ(أنت) .. ومن كان يقصده بزوجك ....
الجواب – بدايةً فإن هابيل أكبر عمراً من قابيل ، لأنه كان أول من سجدت الملائكة له ، ودبّت الروح فيه ، رغم أنه أقدم كعجينة منه ، لأن الحمأ أقد وجوداً من التراب ، رغم إن عجينة قابيل أعدت قبل عجينة هابيل ، كما سيمر بنا في شبهة هابيل وقابيل ، وبعد ذلك لننظر إلى عاقبة كل منهما ، لنعرف من كان يقصده بآدم ، فنرى جليا أن هابيل هو من بقي على طبع ونفس آدم الأول ، قبل الاثم والهبوط ، لذا فكان يكلم هابيل ، بأنت وقابيل باسم زوجك ، ولأن السكن عاد لهابيل ، ونؤكد قولنا إن هابيل كان أبيض اللون وقابيل كان أسوداً ،
فما يؤكد ذلك .... من المقبول أن تكون كل الأنبياء من نسل هابيل فنفسه عليه السلام كانت راضية ، وهي التي سرعان ما تحولت لنفسٍ مطمئنة ، وبما إن الأنبياء الذين نعلمهم مقاربين للبشرة البيضاء ، فهذا يعني إن هابيل كان أبيض ، ومن المفسرين من يذكر إن موسى كان أسمراً ، بدليل اليد البيضاء ،
لا بأس فهذا الأمر لا يعتبر مخلفا ، لأنه إن صح ، فهي طريقة أراد بها الله جل جلاله ، إنقاذ موسى من أن يقتله فرعون ، لأن المعروف عن بني إسرائيل أنهم بيض البشرة ، فالكنعانيون كانوا يمتازون بذلك ، عن الفراعنة ، هذا وإن الأخذ بالآية على أنها دليل على السمرة ، غير معقول ولا مقبول ، لأن ذلك يعني إن السمرة والسواد من السوءة ، وإبليس أول من قال بذلك ، و سنتناوله بالتفصيل في جزئنا القادم انشاء الله .
..فما ذنب قابيل أن يخلق أسودا ..
الجواب – نحن الآن ربما نأنف من اللون الأسود ، ونعتقد إن سر الجمال هو اللون الأبيض ، لكن هابيل وقابيل ، لم يعرفا فلسفة الجمال بعدُ ، وما يعرف أحدهما من كان أجمل من الآخر ، فكون قابيل أسوداً لم يكن ذنبا ، و كون هابيل أبيضا لم يكن إكراما ، ولو كانت النتيجة هكذا ، ولابد أن نبين إن أول من أنف من البشرة السوداء ، هو إبليس ، إذ قال لم أكن لأسجد لبشرٍ خلقته من صلصالٍ من حمإٍ مسنون ،
وأخيرا وليس آخرا ، فإن كل ما ذكرته ، لم أأتي بحرف واحد منه ، بل إن آيات الله وعظمته قالت ما نقلته لكم ، و إيمانك بالله هو من سيدفَعك للتعرّف على حقيقة الآيات ، التي أضفى الله عليهن الغموض ، ولا يوجد في التوراة والإنجيل ، أي معلومة صغيرة أو كبيرة ، فيما يخص خلق الخلق ، يمكن أن نقرّ بأنها لم تذكر في القرآن كما ذكرنا سابقا ، وكما سنراه لاحقا في الكتاب القادم ،
وللتوضيح أكثر بخصوص خلق هابيل وقابيل نذكرها بمطلب مستقل ونعيد كل ما قلناه بشكل أكثر تبسيط .