( خلاصة الكشف الجنائي عن الحادثة )
وجِدَ إن قابيل لم ينطق إلا بكلمة واحدة فقط (قال لَأَقْتُلَنَّكَ) ،
أما هابيل فقال { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ } المائدة/27
وكلام قابيل بعد قتلِ أخيه ، كلام النفس ، لا حديث اللسان ، لأن أحداً لم يكن معه ، ليتحدث معه على قتل أخيه ، ولما كان الغراب أذكى منه استنباطاً ، فهذا ما يؤكد أنهما لم يكونا أخوين لنبيٍ ، لأننا لم نرى نبياً ، إلّا ودعا لبنيهِ بالهداية والرشد ، فكيف لم يكلمهما حتى على التسامح بينهما ، أو يعلّم قابيل طقوس الدفن ، والحادثة تؤكد ، عدم وجود شخص يلجأ إليه قابيل غير الغراب ، لأجل أن يتعلم ذلك ، وبصمته تبين أنه من عائلة منحطة التعليم ، فهو لم يحسن الكلام ، ولم يحسن الاستنباط ، وفعله هذا فعل حيوان الغاب ، بل إن حيوان الغاب ، ارتقى عليه بأن عرّفه كيف يدفن أخيه ، ولو كان فيهم الأب ، لما حصل ما حصل ، ولَكان طلبُ القربانِ ، جاء على لسان الأب ، كما فعل إبراهيم مع ابنه ،
ولو كان قد غادرهم بالموت ، فما كانت رسالته في حياته ، وإن كان هجرهم مسافراً ، فعلى من كانت نبوته ،
وندمُ المجرم كان على غباءه ، وعجزه عن العيش دون مرشد ومفكر ، لا على قتله لأخيه ، عليه فإن القول عن انتمائهما لأسرة واحدة ، قول خاطئ ، فهما من أسرتين مختلفتين تماماً ، ومن طبيعتين مختلفتين تماماً ، أو إنهما من عجينتين مختلفتين ………. (أول ملحوظة تم تدوينها لهذا البحث) .
المطلب العاشر
شبهة الشجرة والذريات
شرّق و غرّب الكثير من رجال الدين ، ومن مختلف الأديان ، لمعرفة نوع الشجرة التي أكل منها آدم ، لكنّ معظم اليهود والنصارى ، يعرفونها جيداً قبل أن تحرّف الكُتُب ، لأنها جاءت دون أي غموض عندهم ، وهذا سبب وجود الآيات التي نسخت من الكتب السابقة وأضفى الله عليها الغموض في القرآن ، كما إنها ليست لدينا بذلك الغموض ، الذي نتيه عنها كل هذا التيه ، فنحن من توسّلنا الغموض لها وحققناه عليها ، وهذا هو أساس محاربة اليهود للتفريق بين الشيطان وابليس ، وأكرر لو عرفنا إن الشيطان ليس بإبليس ، لعلمنا إن كلام آدم كان كلاماً عن عين و يقين ، وليس عن سماع و افتراء ، أي إن آدم وزوجه شاهدا الشجرة ، ووصفوها لنا وصفاً دقيقاً بما إن الذي وسوس لهما هو الشيطان وليس إبليس ، لأن الشيطان كما سنرى في مطلب قادم ، هو في مادة صنعهما ولم يكن مخلوقاً غريباً دخل الجنة بالأفعى و باقي السفسطة ، لذا فإن الشجرة التي أكلا وذاقا فأزلهما الشيطان عنها ، هي بالفعل شجرة الخلد والملك الذي لا يبلى ، وقبل أن تحاول التوصل لما نبغي الوصول إليه ، هب أولاً إن تلك الشجرة هي الدين الذي أنزله الله ، فترى مثلا إن اليهود تمسّكوا ببعض وتركوا بعض ، أي ذاقوا الشجرة ، أما النصارى فقد حرّفوا الدين بدينٍ لا أساس له من الصحة مطلقاً ، لأن هدفهم أن يستجيب الناس لهم ، وما دام الدين يعطي الحرية البهيمية للإنسان ، فالكل سوف يعتنقونه ، فلا صلاة ولا صيام ولا حج إلا الصدقات والزكاة ، التي يساعد بعضهم الآخر ، على أساس الآية التي جاءت في القرآن وهي عندهم بنفس المضمون ، { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } مريم/31
وبما أنهم فسروا الصلاة أنها مجرد دعاء ، والقس هو من يصلي عن الناس ويقوم بكل أصول الدين وفروعه ، فلم يبق غير الزكاة عليهم ،
أما نحن فقد أزلنا الشيطان عن مفاهيم الدين بشكل كامل ، وسخّرنا ما فيه للهيمنة على بلدان العالم ،
ومن ناحية ثانية ، هب أن الشجرة هي شجرة الأوصياء ، فترى القضية لدى اليهود اختلفت ، لأنهم أكلوا حق الأوصياء هذه المرة ، بينما ذاق النصارى شيء من حق الحواريين ،
ختاماً نقول إن الحر دائماً وأبداً تكفيه الإشارة ، والعبد لن يفهم حتى يلقى بالحجارة ، وقد أشار لنا الله سبحانه مرّاتٍ عديدة إلى معانٍ كـ( الشجرة المباركة ) وأشار للضد منها وهي ( الشجرة الملعونة ) ، وبما إن آدم كان في الجنة فمن المحال أن تكون الشجرة غير شجرةٍ مباركةٍ ، أمّا كيف أكلها ، فكما نأكل أموال اليتامى بالسرقة والاستحواذ ، وكيف يزلنا الشيطان عن حفظ الودائع والأمانات ، وكيف نطمع بالملك ، قبل أن نملك الحق فيه أو العدل والانصاف في تطبيقه .
والذريات هم أساس خلق آدم ، أي هم الشعب الحقيقي ، الذي ذاق وأكل وأزلّه الشيطان ، ومن المفترض أن آدم وزوجه ، قد تزوجا بعد كل فعل قاما به ، وهم في الجنة ، وأمر الله الزوجات بعد حملها الذريات الجديدة بالهبوط إلى الأرض ، حتى هبطوا جميعاً ، وكانت فترة حياتهم طويله جداً ، لكننا لو تناولنا هذا الموضوع بهذه الكيفية ، سنصل إلى أننا جميعا عشنا في الجنة قبل دخولنا هذه الدنيا ، وهذه الأمر يخرج عن إطار بحثنا عن السلطة القضائية ، ويحتاج لمزيد من فروع الدراسة والبحث الفلسفي ، لنعود وكأننا نتكلم عن حياتنا الحقيقية الآن .
المطلب الحادي عشر
شبهة إبليس الملاك و شبهة إبليس الشيطان
و شبهة القسم بعزة الله
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ } الأعراف/13
مرّ بنا في شبهة السجود لآدم إن إبليس لم يكن من المشمولين بأمر السجود في كل الآيات الستة ، بل كان عليه الخضوع لمشيئة الرب في قراراته الجديدة ، عدا الآية من سورة الأعراف والتي انفرد إبليس فيها بالأمر لقوله تعالى في هذه الآية فقط(إذ أمرتك )
فهل حقا أمره الله مباشرة بالسجود فعصى ، وفق سورة الأعراف ......
القضية ببساطة إن الأمر كان محصلا لما سبقه من سؤالين – لأن السؤال الحاصل في سورة ص { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } ، إذْ كان آدم مجرد عجينه أشار له الله بــ( لما ) ولم يقل بـ(من خلقت بيدي) ولم يكن له اسم بعد ،
ثم أعاد السؤال عليه في سورة الحجر { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ } حيث قلنا إنه بدأ يتراجع ويقترب نحو مكة ، محتجاً على ما يحدث ، وفي كل محطة يسأله الله جل جلاله ، فيكون السؤال بذلك أمراً غير مباشر ، لكنه تعالى لم يصدر له أمراً مباشراً حتى السجود السابع ، وكان أمر الله الأول و الثاني لإبليس قد جاء بصيغة السؤال وليس بصيغة الأمر المباشر ، وللتوضيح أكثر نقول ،
إن مجرد سؤال الله(جل جلاله) له في سورة ص {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } و في سورة الحجر { يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ } يعني أن عليك أن تسجد ، وتقر بما تقوم به الملائكة من خدمة لأبْناء آدم ، وفي نفس الوقت فإن السؤال ما كان طلبا ، بل كان لكشف ما في نفس إبليس ، والكشف كان بيانا لإبليس ، كي يعرف لماذا سوف يجعله الله تعالى رجيما وملعونا وكذا من يتبعه وووو . كما كان دخولنا لهذه الدنيا ، بياناً لما قمنا به في الجنة ، فحقّت النار علينا ،
وكل النهر والزجر والرجم الذي شرُّع ، والذي تلقاه إبليس من الرب قبل قوله تعالى – إذ أمرتك – كان ردا على ما اختلج في صدر ابليس من كلام ، و التكبر والتعالي والاستنكاف عما تقوم به الملائكة ، من فعل السجود أيا كانت صيغته ،
وهذا معنى – إلّا إبليس أبى – التي وردت في ثلاث آيات من آيات السجود ،
الإباء ليس الرفض و الإمتاع بالفعل والقول ، إنما هو الامتناع الحاصل من النفس نتيجة التكبر والعلو (+) ، وهو رد فعلٍ نفسيٍ يختلج في الصدر ، لا يمكن الحكم عليه أو إدراكه حتى يعلن عن ما في نفسه ،
أي إن سؤال الله لإبليس هو الذي كشف ما في نفس إبليس ، من تكبر ولولا سؤال الله(جل جلاله)، لإبليس لما علم من أحدٍ من الخلق ، ما كان يضمره إبليس من تكبر واستعلاء ، فكل الأوامر التي صدرت للملائكة ، لم تكن تخص إبليس أبداً ، لكن الله أوضح لنا ما في نفس إبليس من خلال سؤاله حين أمر الملائكة بالسجود ، فلمّا سأله الله مرّتين عدُّ السؤال أمراً إلهياً ، كقولنا لماذا لا تقرأ ، فيعني أن عليك أن تقرأ ،
فهل تعتقد إن الله سأله فأجاب ، وطلب منه فامتنع ، ثم أراد إبليس من الله ما أراد واجابه الله على كل ما طلب ، لو تذكرت الآن أسباب غموض النصوص القرآنية و خصائص النصوص القرآنية ، فسبحانه لم يأتِ بآيةٍ واحدة تنص على ما قاله إبليس أبداً ، وإلا عدّت هذه الآية و حاشا لله آية إبليسية ، إذ جاءت بما قاله إبليس ، لذا فإن كل الحوار الذي دار ، وكل الطلبات التي حصلت ، جاءت بما في نفس إبليس ، لا ما قاله إبليس إبداً ومطلقاً ،
و إن كل هذه الافتراءات لأعظم عند الله من افتراء النصارى أن عيسى ابن الله حاشا لله ، لأنه جل عن مخاطبة إبليس ، وجل عن أن يورد آية ، تنص على ما قاله إبليس ، إنما ذكر لنا ما يختلج في صدر إبليس ، وحين أقول لك إن إبليس لم يكن يتكلم بأي لغةٍ ، سأدخل معك في نزاع ، نعم فالجن تعلموا اللغات من بني آدم ، ونكمل نزاعنا في شبهات إبليس والجن ، و أعني أنه تعالى لو سأل إبليس و أجاب إبليس بالصدق ، لقال ما ذكره الله لنا في تلك القصة ، ولو أنه حاشاه سأل إبليس ، لمَا أجاب إبليس بالصدق ، و حاشاه أن يطلب إبليس منه طلبات الخلود الدنيوي فيجيبه تعالى ، بعد أن عصاه و أعلن تمرده ، بل ذكر لنا ما في نفس إبليس وما تمنّى وقتَها ،
لذا جاءت الآية { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ } فهذا التشريع أسبق من طلب إبليس ، أي إن الله (جل جلاله) شرّع للعاصين ومن تبعهم ، أن يكونوا من المنظرين قبل أن يخلق إبليس ، فقوله انك من المنظرين ، يعني ان هناك من انظرهم الله وانت ستكون أولهم ، فَشَرعُ الله ، هو أول مقومات السماوات والأرض ، ولمزيد من التفصيل راجع مطلب مقومات النشأة ، فلم يقتُـل إبليس ساعة عصيانه ، لأنه يعلم إن إبليس سيمثل فئة عملاقة من الجنِّ والناس ، فكان لابد من أن يكون لهذه الفئة قادة يتبعونهم ، كما للمؤمنين من أنبياء وأوصياء يتبعونهم ، وبما أن الجن أقدم خلقاً من الإنس وهم الأقدر من حيث التنقل في السماوات والأرض ، فكان لزاماً أن يكون القائد من الجن ، لينضوي لواء الجن والإنس تحت إمرته ، أما كيف يتعامل إبليس مع بني آدم ، فبالحس المشترك لهما والأقدم من صنعهما ألا وهو الشيطان ، دون أن يكلّف نفسه بالتفاعل الحقيقي معهم ، فما أغواه سيغوي بني آدم { قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم } الأعراف /16
وحين رُجمَ مبتعداً وهبط منها ، راح بعيداً في أدنى الأرض ، أي أقربها لمستوى سطح الماء ، لأنه بذلك يكون بعيداً عن شهب السماء ، قدر المستطاع ، وكانت أول بشرى له أن رأى هابيل وقابيل ، وقد هبطا من ذات المكان الذي خرج منه ، فقال في نفسه مثلما توقعت {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}سبأ /20
والمعلومات العظيمة ، التي نقلت عن ما في نفس ابليس من الكلام ، لا يمكن لهذا اللعين أن يكشفها لنا ، وإنه غير قادر على إغواء العباد المخلّصين ، لا بل إن عداوته الوحيدة لعباد الله المخلّصين ،
لكنه تعالى نقلها رغما عن أنف إبليس ، ونقل لنا ما يختلج في صدره ، لأنه على دراية أنه لو استطاع عليهم حاشاهم ، فقد فاز والعياذ بالله بما أراد ، لذا فنحن من ناصرناه في محاربتنا لأنبياء الله وأوليائه ، لذا فإن الأمر الصادر (إذ أمرتك) ، وما سبقتهما من أسئلة ، لم يكن إلا ما كان سيجيب لو سأله الله ، وما كان سيقول لو أمره الله ، فلا من حديث وقع بين جلالة الله وبين عبدٍ صاغر ، بين لنا الله أنه كان من الكافرين ،أي يكتم كفره ، قبل أن يسرد أي حديثٍ عمّا اختلج في صدر إبليس ،
وعليك الآن مراجعة ما جاء بالتوراة في الفصل الثاني من السفر الأول وهو سفر الخليقة وقد أوردناه في المصادر (41)
وأستغفر الله عما ذُكر فيها من ظلم وافتراء على جلال الله وعزته ،
{ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } إبراهيم /22 ،
ونكتفي بهذه الآية ، بيانا كافيا ومستوفياً ، على أن إبليس و إن كان العن من الشيطان ، فهو ليس بالشيطان ، والذي يقول كفرت بما أشركتموني وفي بحث الشيطان ، ستعرف كيف يُعبد الشيطان بالإشراك ، ومن خلال ما نرى في آيات الله عن إبليس و الجن ، فمن الواضح ان التعامل معهم ، لا يكون إلا بالرجم ، والقذف بالشهب ،
وهذا ما يؤكد إنهم ولفترة قريبة لم يمتلكوا لغة للتفاهم ، سواء بينهم أو بين الملائكة وبينهم ، وأخيراً ، فإن إبليس ، وبعد أن رأى بعينه ، كيف أكبّ الله سبحانه جبابرة الجن الأقدم ، الذين خلقوا من نار السموم ، كان يعبد الله خوفا من أن تكون نهايته ، كنهاية أولئك ، كما سيمر بنا لاحقا .
سورة ص / 82 { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }
أما عن شبهة القسم بعزة الله(جل جلاله) ، فهي أنه تعالى عز عن أن يراه خلقه ، وهذا ما سوّل لهم أن يعبدوا غيره ، وهذا ما هدف له إبليس و كان في أول مخططاته ، فترى كل شعوب العالم القديم كانوا يطمحون لأن يحصلوا على ربٍ يروه ، ويتكلمون معه بصورةٍ مباشرة ، وأنا ما زلت عند رأيي إن هذا القول ليس بقول إبليس ، إنما يخبرنا الله أن عزتهُ التي تعني عدم دخوله هذا الوجود ، سوف يستغلها إبليس ويجعلنا نعبد الشمس والقمر والكواكب والنار والبقرة والأصنام وما إلى ذلك ، فسبب عزة الله جعلت من إبليس يغوينا بعبادة الموجود ، دون عبادة الواجد ، أمّا عن طلباته ، فقد أخّر إلى يوم يبعث الأنبياء ، أي يوم تختتم الرسالات بين الله وبين عباده ، وقد أخّر الله سبحانه الانتقام منه ليوم يبعثون ، رغم حصوله على ثمانية أولاد ، وسوف نعرف كيف ولماذا ، وفي ما نراه في خليفة الله سوف نبين كيف أن الخليفة ، سيواجه أبليس في أدنى الأرض ، وهي ذات الأرض التي لجأ إليها إثر نزوله ، فينشطر على نفسه آلاف المرات ليكون جيشاً يساند أتباعه من الإنس والجن لمقاتلة الخليفة ، أي إن طلبه بالتأخير ليوم القيامة لم يتم الموافقة عليه ، بل ترك معلقاً
{ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} الإسراء/63
وإنه نسي الذين لن يتبعوه ، من عباد الله المخلّصين ، الذين لا يمتلك عليهم من سلطان ،
وجوابه تعالى ، عما تمنى إبليس هو : أنت وما تملك من قدراتك الشيطانية ، فمن ظفر بك قتلك بعد أن تختتم رسالاتي ، أي بعد يوم البعث الذي يعني في طلب إبليس اختتام الرسالات ، أو ما عُرف عند الإسلام بالبعثة الشريفة ، فمن ظفر به يمكنه أن يقتل إبليس ، ولكن هيهات منا هذه الكرامة ، فهناك من الدول الكبرى من تتخذ شرع إبليس شرعاً لها .
وجِدَ إن قابيل لم ينطق إلا بكلمة واحدة فقط (قال لَأَقْتُلَنَّكَ) ،
أما هابيل فقال { قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ } المائدة/27
وكلام قابيل بعد قتلِ أخيه ، كلام النفس ، لا حديث اللسان ، لأن أحداً لم يكن معه ، ليتحدث معه على قتل أخيه ، ولما كان الغراب أذكى منه استنباطاً ، فهذا ما يؤكد أنهما لم يكونا أخوين لنبيٍ ، لأننا لم نرى نبياً ، إلّا ودعا لبنيهِ بالهداية والرشد ، فكيف لم يكلمهما حتى على التسامح بينهما ، أو يعلّم قابيل طقوس الدفن ، والحادثة تؤكد ، عدم وجود شخص يلجأ إليه قابيل غير الغراب ، لأجل أن يتعلم ذلك ، وبصمته تبين أنه من عائلة منحطة التعليم ، فهو لم يحسن الكلام ، ولم يحسن الاستنباط ، وفعله هذا فعل حيوان الغاب ، بل إن حيوان الغاب ، ارتقى عليه بأن عرّفه كيف يدفن أخيه ، ولو كان فيهم الأب ، لما حصل ما حصل ، ولَكان طلبُ القربانِ ، جاء على لسان الأب ، كما فعل إبراهيم مع ابنه ،
ولو كان قد غادرهم بالموت ، فما كانت رسالته في حياته ، وإن كان هجرهم مسافراً ، فعلى من كانت نبوته ،
وندمُ المجرم كان على غباءه ، وعجزه عن العيش دون مرشد ومفكر ، لا على قتله لأخيه ، عليه فإن القول عن انتمائهما لأسرة واحدة ، قول خاطئ ، فهما من أسرتين مختلفتين تماماً ، ومن طبيعتين مختلفتين تماماً ، أو إنهما من عجينتين مختلفتين ………. (أول ملحوظة تم تدوينها لهذا البحث) .
المطلب العاشر
شبهة الشجرة والذريات
شرّق و غرّب الكثير من رجال الدين ، ومن مختلف الأديان ، لمعرفة نوع الشجرة التي أكل منها آدم ، لكنّ معظم اليهود والنصارى ، يعرفونها جيداً قبل أن تحرّف الكُتُب ، لأنها جاءت دون أي غموض عندهم ، وهذا سبب وجود الآيات التي نسخت من الكتب السابقة وأضفى الله عليها الغموض في القرآن ، كما إنها ليست لدينا بذلك الغموض ، الذي نتيه عنها كل هذا التيه ، فنحن من توسّلنا الغموض لها وحققناه عليها ، وهذا هو أساس محاربة اليهود للتفريق بين الشيطان وابليس ، وأكرر لو عرفنا إن الشيطان ليس بإبليس ، لعلمنا إن كلام آدم كان كلاماً عن عين و يقين ، وليس عن سماع و افتراء ، أي إن آدم وزوجه شاهدا الشجرة ، ووصفوها لنا وصفاً دقيقاً بما إن الذي وسوس لهما هو الشيطان وليس إبليس ، لأن الشيطان كما سنرى في مطلب قادم ، هو في مادة صنعهما ولم يكن مخلوقاً غريباً دخل الجنة بالأفعى و باقي السفسطة ، لذا فإن الشجرة التي أكلا وذاقا فأزلهما الشيطان عنها ، هي بالفعل شجرة الخلد والملك الذي لا يبلى ، وقبل أن تحاول التوصل لما نبغي الوصول إليه ، هب أولاً إن تلك الشجرة هي الدين الذي أنزله الله ، فترى مثلا إن اليهود تمسّكوا ببعض وتركوا بعض ، أي ذاقوا الشجرة ، أما النصارى فقد حرّفوا الدين بدينٍ لا أساس له من الصحة مطلقاً ، لأن هدفهم أن يستجيب الناس لهم ، وما دام الدين يعطي الحرية البهيمية للإنسان ، فالكل سوف يعتنقونه ، فلا صلاة ولا صيام ولا حج إلا الصدقات والزكاة ، التي يساعد بعضهم الآخر ، على أساس الآية التي جاءت في القرآن وهي عندهم بنفس المضمون ، { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } مريم/31
وبما أنهم فسروا الصلاة أنها مجرد دعاء ، والقس هو من يصلي عن الناس ويقوم بكل أصول الدين وفروعه ، فلم يبق غير الزكاة عليهم ،
أما نحن فقد أزلنا الشيطان عن مفاهيم الدين بشكل كامل ، وسخّرنا ما فيه للهيمنة على بلدان العالم ،
ومن ناحية ثانية ، هب أن الشجرة هي شجرة الأوصياء ، فترى القضية لدى اليهود اختلفت ، لأنهم أكلوا حق الأوصياء هذه المرة ، بينما ذاق النصارى شيء من حق الحواريين ،
ختاماً نقول إن الحر دائماً وأبداً تكفيه الإشارة ، والعبد لن يفهم حتى يلقى بالحجارة ، وقد أشار لنا الله سبحانه مرّاتٍ عديدة إلى معانٍ كـ( الشجرة المباركة ) وأشار للضد منها وهي ( الشجرة الملعونة ) ، وبما إن آدم كان في الجنة فمن المحال أن تكون الشجرة غير شجرةٍ مباركةٍ ، أمّا كيف أكلها ، فكما نأكل أموال اليتامى بالسرقة والاستحواذ ، وكيف يزلنا الشيطان عن حفظ الودائع والأمانات ، وكيف نطمع بالملك ، قبل أن نملك الحق فيه أو العدل والانصاف في تطبيقه .
والذريات هم أساس خلق آدم ، أي هم الشعب الحقيقي ، الذي ذاق وأكل وأزلّه الشيطان ، ومن المفترض أن آدم وزوجه ، قد تزوجا بعد كل فعل قاما به ، وهم في الجنة ، وأمر الله الزوجات بعد حملها الذريات الجديدة بالهبوط إلى الأرض ، حتى هبطوا جميعاً ، وكانت فترة حياتهم طويله جداً ، لكننا لو تناولنا هذا الموضوع بهذه الكيفية ، سنصل إلى أننا جميعا عشنا في الجنة قبل دخولنا هذه الدنيا ، وهذه الأمر يخرج عن إطار بحثنا عن السلطة القضائية ، ويحتاج لمزيد من فروع الدراسة والبحث الفلسفي ، لنعود وكأننا نتكلم عن حياتنا الحقيقية الآن .
المطلب الحادي عشر
شبهة إبليس الملاك و شبهة إبليس الشيطان
و شبهة القسم بعزة الله
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ } الأعراف/13
مرّ بنا في شبهة السجود لآدم إن إبليس لم يكن من المشمولين بأمر السجود في كل الآيات الستة ، بل كان عليه الخضوع لمشيئة الرب في قراراته الجديدة ، عدا الآية من سورة الأعراف والتي انفرد إبليس فيها بالأمر لقوله تعالى في هذه الآية فقط(إذ أمرتك )
فهل حقا أمره الله مباشرة بالسجود فعصى ، وفق سورة الأعراف ......
القضية ببساطة إن الأمر كان محصلا لما سبقه من سؤالين – لأن السؤال الحاصل في سورة ص { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } ، إذْ كان آدم مجرد عجينه أشار له الله بــ( لما ) ولم يقل بـ(من خلقت بيدي) ولم يكن له اسم بعد ،
ثم أعاد السؤال عليه في سورة الحجر { قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ } حيث قلنا إنه بدأ يتراجع ويقترب نحو مكة ، محتجاً على ما يحدث ، وفي كل محطة يسأله الله جل جلاله ، فيكون السؤال بذلك أمراً غير مباشر ، لكنه تعالى لم يصدر له أمراً مباشراً حتى السجود السابع ، وكان أمر الله الأول و الثاني لإبليس قد جاء بصيغة السؤال وليس بصيغة الأمر المباشر ، وللتوضيح أكثر نقول ،
إن مجرد سؤال الله(جل جلاله) له في سورة ص {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } و في سورة الحجر { يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ } يعني أن عليك أن تسجد ، وتقر بما تقوم به الملائكة من خدمة لأبْناء آدم ، وفي نفس الوقت فإن السؤال ما كان طلبا ، بل كان لكشف ما في نفس إبليس ، والكشف كان بيانا لإبليس ، كي يعرف لماذا سوف يجعله الله تعالى رجيما وملعونا وكذا من يتبعه وووو . كما كان دخولنا لهذه الدنيا ، بياناً لما قمنا به في الجنة ، فحقّت النار علينا ،
وكل النهر والزجر والرجم الذي شرُّع ، والذي تلقاه إبليس من الرب قبل قوله تعالى – إذ أمرتك – كان ردا على ما اختلج في صدر ابليس من كلام ، و التكبر والتعالي والاستنكاف عما تقوم به الملائكة ، من فعل السجود أيا كانت صيغته ،
وهذا معنى – إلّا إبليس أبى – التي وردت في ثلاث آيات من آيات السجود ،
الإباء ليس الرفض و الإمتاع بالفعل والقول ، إنما هو الامتناع الحاصل من النفس نتيجة التكبر والعلو (+) ، وهو رد فعلٍ نفسيٍ يختلج في الصدر ، لا يمكن الحكم عليه أو إدراكه حتى يعلن عن ما في نفسه ،
أي إن سؤال الله لإبليس هو الذي كشف ما في نفس إبليس ، من تكبر ولولا سؤال الله(جل جلاله)، لإبليس لما علم من أحدٍ من الخلق ، ما كان يضمره إبليس من تكبر واستعلاء ، فكل الأوامر التي صدرت للملائكة ، لم تكن تخص إبليس أبداً ، لكن الله أوضح لنا ما في نفس إبليس من خلال سؤاله حين أمر الملائكة بالسجود ، فلمّا سأله الله مرّتين عدُّ السؤال أمراً إلهياً ، كقولنا لماذا لا تقرأ ، فيعني أن عليك أن تقرأ ،
فهل تعتقد إن الله سأله فأجاب ، وطلب منه فامتنع ، ثم أراد إبليس من الله ما أراد واجابه الله على كل ما طلب ، لو تذكرت الآن أسباب غموض النصوص القرآنية و خصائص النصوص القرآنية ، فسبحانه لم يأتِ بآيةٍ واحدة تنص على ما قاله إبليس أبداً ، وإلا عدّت هذه الآية و حاشا لله آية إبليسية ، إذ جاءت بما قاله إبليس ، لذا فإن كل الحوار الذي دار ، وكل الطلبات التي حصلت ، جاءت بما في نفس إبليس ، لا ما قاله إبليس إبداً ومطلقاً ،
و إن كل هذه الافتراءات لأعظم عند الله من افتراء النصارى أن عيسى ابن الله حاشا لله ، لأنه جل عن مخاطبة إبليس ، وجل عن أن يورد آية ، تنص على ما قاله إبليس ، إنما ذكر لنا ما يختلج في صدر إبليس ، وحين أقول لك إن إبليس لم يكن يتكلم بأي لغةٍ ، سأدخل معك في نزاع ، نعم فالجن تعلموا اللغات من بني آدم ، ونكمل نزاعنا في شبهات إبليس والجن ، و أعني أنه تعالى لو سأل إبليس و أجاب إبليس بالصدق ، لقال ما ذكره الله لنا في تلك القصة ، ولو أنه حاشاه سأل إبليس ، لمَا أجاب إبليس بالصدق ، و حاشاه أن يطلب إبليس منه طلبات الخلود الدنيوي فيجيبه تعالى ، بعد أن عصاه و أعلن تمرده ، بل ذكر لنا ما في نفس إبليس وما تمنّى وقتَها ،
لذا جاءت الآية { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ } فهذا التشريع أسبق من طلب إبليس ، أي إن الله (جل جلاله) شرّع للعاصين ومن تبعهم ، أن يكونوا من المنظرين قبل أن يخلق إبليس ، فقوله انك من المنظرين ، يعني ان هناك من انظرهم الله وانت ستكون أولهم ، فَشَرعُ الله ، هو أول مقومات السماوات والأرض ، ولمزيد من التفصيل راجع مطلب مقومات النشأة ، فلم يقتُـل إبليس ساعة عصيانه ، لأنه يعلم إن إبليس سيمثل فئة عملاقة من الجنِّ والناس ، فكان لابد من أن يكون لهذه الفئة قادة يتبعونهم ، كما للمؤمنين من أنبياء وأوصياء يتبعونهم ، وبما أن الجن أقدم خلقاً من الإنس وهم الأقدر من حيث التنقل في السماوات والأرض ، فكان لزاماً أن يكون القائد من الجن ، لينضوي لواء الجن والإنس تحت إمرته ، أما كيف يتعامل إبليس مع بني آدم ، فبالحس المشترك لهما والأقدم من صنعهما ألا وهو الشيطان ، دون أن يكلّف نفسه بالتفاعل الحقيقي معهم ، فما أغواه سيغوي بني آدم { قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم } الأعراف /16
وحين رُجمَ مبتعداً وهبط منها ، راح بعيداً في أدنى الأرض ، أي أقربها لمستوى سطح الماء ، لأنه بذلك يكون بعيداً عن شهب السماء ، قدر المستطاع ، وكانت أول بشرى له أن رأى هابيل وقابيل ، وقد هبطا من ذات المكان الذي خرج منه ، فقال في نفسه مثلما توقعت {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}سبأ /20
والمعلومات العظيمة ، التي نقلت عن ما في نفس ابليس من الكلام ، لا يمكن لهذا اللعين أن يكشفها لنا ، وإنه غير قادر على إغواء العباد المخلّصين ، لا بل إن عداوته الوحيدة لعباد الله المخلّصين ،
لكنه تعالى نقلها رغما عن أنف إبليس ، ونقل لنا ما يختلج في صدره ، لأنه على دراية أنه لو استطاع عليهم حاشاهم ، فقد فاز والعياذ بالله بما أراد ، لذا فنحن من ناصرناه في محاربتنا لأنبياء الله وأوليائه ، لذا فإن الأمر الصادر (إذ أمرتك) ، وما سبقتهما من أسئلة ، لم يكن إلا ما كان سيجيب لو سأله الله ، وما كان سيقول لو أمره الله ، فلا من حديث وقع بين جلالة الله وبين عبدٍ صاغر ، بين لنا الله أنه كان من الكافرين ،أي يكتم كفره ، قبل أن يسرد أي حديثٍ عمّا اختلج في صدر إبليس ،
وعليك الآن مراجعة ما جاء بالتوراة في الفصل الثاني من السفر الأول وهو سفر الخليقة وقد أوردناه في المصادر (41)
وأستغفر الله عما ذُكر فيها من ظلم وافتراء على جلال الله وعزته ،
{ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } إبراهيم /22 ،
ونكتفي بهذه الآية ، بيانا كافيا ومستوفياً ، على أن إبليس و إن كان العن من الشيطان ، فهو ليس بالشيطان ، والذي يقول كفرت بما أشركتموني وفي بحث الشيطان ، ستعرف كيف يُعبد الشيطان بالإشراك ، ومن خلال ما نرى في آيات الله عن إبليس و الجن ، فمن الواضح ان التعامل معهم ، لا يكون إلا بالرجم ، والقذف بالشهب ،
وهذا ما يؤكد إنهم ولفترة قريبة لم يمتلكوا لغة للتفاهم ، سواء بينهم أو بين الملائكة وبينهم ، وأخيراً ، فإن إبليس ، وبعد أن رأى بعينه ، كيف أكبّ الله سبحانه جبابرة الجن الأقدم ، الذين خلقوا من نار السموم ، كان يعبد الله خوفا من أن تكون نهايته ، كنهاية أولئك ، كما سيمر بنا لاحقا .
سورة ص / 82 { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }
أما عن شبهة القسم بعزة الله(جل جلاله) ، فهي أنه تعالى عز عن أن يراه خلقه ، وهذا ما سوّل لهم أن يعبدوا غيره ، وهذا ما هدف له إبليس و كان في أول مخططاته ، فترى كل شعوب العالم القديم كانوا يطمحون لأن يحصلوا على ربٍ يروه ، ويتكلمون معه بصورةٍ مباشرة ، وأنا ما زلت عند رأيي إن هذا القول ليس بقول إبليس ، إنما يخبرنا الله أن عزتهُ التي تعني عدم دخوله هذا الوجود ، سوف يستغلها إبليس ويجعلنا نعبد الشمس والقمر والكواكب والنار والبقرة والأصنام وما إلى ذلك ، فسبب عزة الله جعلت من إبليس يغوينا بعبادة الموجود ، دون عبادة الواجد ، أمّا عن طلباته ، فقد أخّر إلى يوم يبعث الأنبياء ، أي يوم تختتم الرسالات بين الله وبين عباده ، وقد أخّر الله سبحانه الانتقام منه ليوم يبعثون ، رغم حصوله على ثمانية أولاد ، وسوف نعرف كيف ولماذا ، وفي ما نراه في خليفة الله سوف نبين كيف أن الخليفة ، سيواجه أبليس في أدنى الأرض ، وهي ذات الأرض التي لجأ إليها إثر نزوله ، فينشطر على نفسه آلاف المرات ليكون جيشاً يساند أتباعه من الإنس والجن لمقاتلة الخليفة ، أي إن طلبه بالتأخير ليوم القيامة لم يتم الموافقة عليه ، بل ترك معلقاً
{ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} الإسراء/63
وإنه نسي الذين لن يتبعوه ، من عباد الله المخلّصين ، الذين لا يمتلك عليهم من سلطان ،
وجوابه تعالى ، عما تمنى إبليس هو : أنت وما تملك من قدراتك الشيطانية ، فمن ظفر بك قتلك بعد أن تختتم رسالاتي ، أي بعد يوم البعث الذي يعني في طلب إبليس اختتام الرسالات ، أو ما عُرف عند الإسلام بالبعثة الشريفة ، فمن ظفر به يمكنه أن يقتل إبليس ، ولكن هيهات منا هذه الكرامة ، فهناك من الدول الكبرى من تتخذ شرع إبليس شرعاً لها .