منتديات علاء الصائغ

مرحبا بك عزيز الزائر في منتدايات الشاعر علاء الصائغ يسعدنا ويشرفنا أن تنظم الينا لذلك قم بالتسجيل .

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات علاء الصائغ

مرحبا بك عزيز الزائر في منتدايات الشاعر علاء الصائغ يسعدنا ويشرفنا أن تنظم الينا لذلك قم بالتسجيل .

منتديات علاء الصائغ

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات علاء الصائغ

منتديات الشاعر علاء الصائغ


    الإسلام على جرفٍ هارٍ كتاب من تأليف المحامي علاء الصائغ ص 19إلى 36

    المحامي علاء الصائغ
    المحامي علاء الصائغ
    المدير العام
    المدير العام


    الإسلام على جرفٍ هارٍ كتاب من تأليف المحامي علاء الصائغ ص 19إلى 36 Empty الإسلام على جرفٍ هارٍ كتاب من تأليف المحامي علاء الصائغ ص 19إلى 36

    مُساهمة من طرف المحامي علاء الصائغ الجمعة فبراير 14, 2020 6:53 pm

    أسبابُ الغموض و أشْكَالهِ

    الفرع الأول – طريقة لحفظ القرآن من التزييف والتحريف .
    ليس الله جل وعلا من يحتاج لطريقةٍ لحفظ كتبهِ السّماويّة ، لكننا نحنُ من نحتاج لذلك ، كي لا يعمد فريق منّا لفعل ما فعله الكتابيّون من قبلنا ، ولا تَقُل لي إن القرآن حفظه الله وملائكته دون الكتب السابقة ، فكل الكتب هي كتب الله ، وكل الآيات آياته ، لكنه سبحانه جاء بآيات مشابهة للآيات التي سبق وأن حُرّفتْ في التوراة والإنجيل ، و أضفى عليها الغموض ، كي لا تقم أمّة الرسول محمد (صلّوآله) بما قامت به أمّة موسى وعيسى (عليهما السلام) من فعل ، فيحرّفون الكلم عن مواضعه ،
    وخلاصة القول إن القرآن حُفِظَ عن طريق الآيات لا عن طريق الشخصيات ، فلا حـافـظ القرآن ، ولا أمــين ســر الوحي ، ولا حــبر الأمــة ، ولا عشرات المناصب والألقاب ، يمكنها حفظ الكتاب السماوي وعلى مدى التأريخ ، لولا آيات الله التي أضفى عليها الغموض ، لكيلا يعمد اليهود و من لفّ لفّهم لِفعلِ ما فعلوه قديماً ، وما لأحدٍ من فضلٍ على الله بحفظ القرآن ، وهذا الغموض في المفردات والنصوص خير دليل على عدم ثقة الله بنا من جديد ، لهذا جاءت الآيات التي أطلق الله عـليهن بــ(المحكمات و المتشابهات) كما جاءت الآيات (الناسخة) ،
    ولأهمية الموضوع ســـنتنَاوله بشيء من التفصيل ، في مطلب خاص بــ( شبهة المحكم والمتشابه والناسخ و المتكرر ) ، ولهذا الغموض أرقام سرية سنتوصل لها ، لئن أردْنا حقاً بذل شيء لأُخرانا ، فسبحانه لم يجعل القرآن طلاسم ذات شفرات غيبية ، إنما ترك لعقولنا ولمن يريد الوصول والتبصر بآياته ، أوسع الأبواب و أعظم الأنوار لفهمها ،
    {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} الواقعة/79 ، أي الذين تطهروا من الأطماع والأرجاس ونوايا تحريف مفاهيم القرآن ،
    لذا فالنصوص أتت على منوال مدرسة الفن للناس ، ولم تأتِ كمدرسة الفن للفن ، إلّا حين وجدَ الله فينا انحراف الذمة ، ولنا التبصر و الوصول إليها ، خاصة بعد انتفاء العلة والغاية من الغموض ، فقد ثَبُتَ القرآن في الأذهان والكتب ، وسائر الأدوات والآلات الحديثة ، ومن المحال أن يتسنى لشخصٍ بل لأممٍ أن يحوز تزويره ، وكل هذا بفضل ما علّمه الله سبحانه للإنسان من علومٍ ما كان مدركها إلا بفضله ، {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} العلق /5
    وبفضل ما وضعه لنا من مواد أولية لصنع ما صنعناه ، واكتشاف ما اكتشفناه ، ورغم كل ذلك ، فهم سلكوا الطريق القديم ، لتحريف الكلم عن معانيه الحقيقية ، أي انهم بالمكر ، سبقوا الاكتشافات العلمية بكثير ، والله(جل جلاله) المستعان .

    الفرع الثاني - عدم اكتمال الأحداث في القصص التي جاء بها القرآن .
    وهذا السبب تشترك فيهِ باقي الكتب السماوية ، فحين ذَكَر الله(جل جلاله) لنا قصص الأولين من الأنبياء ومن عاداهم والصالحين ومن جار عليهم ، أقتطف من تلك القصص الحكمة والموعظة ، فهما أساس اختياره لتلك القصص ، وبالتالي اختطف مقوّمات القصّة وباعد بينها ، أي عناصرها وخصائصها التي نعرّفها ، ولم يسرد مكمّلات الأحداث وتفاصيلها ، إلا في آيات وسور أخرى ، لكي لا يكون كِتَاب الله محض قصص وروايات ، كما إن هناك الكثير من قصص الأنبياء ، لم تذكر في القرآن ، كما بيّن الله(جل جلاله) ذلك { وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا }النساء/ 164 ، لأنه سبحانه وتعالى لم يرَ مدعاةً لذكرهم ، أمّا لتشابه الحكمة والموعظة فيمن ذكروا في القرآن ، أو لأنّ ما مرّ بهم ، لا ينسجم وما مرّ به رسولنا الكريم مع قومهِ ، كأنْ يكونوا قد أدّوا رسَالاتهم ، دون أن يُتّهموا من قومهم بالكذب والجنون والسحر ، وهذا ما عناه تعالى بأحسن القصص { نحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ } يوسف/3 ، أي أقربها لما تمرّ به مع قومك من معاناةٍ ، إذ مرّتْ بها الأنبياء من قبلك ،
    { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } هود/120
    وعلى هذا الأساس ، ذُكر موسى مرّات عديدة ومتعددة (136) في القرآن لتشابه ما مرّ به الرسول من أذى ، مع ما مرّ به موسى النبي ، و كذلك لأنّ اليهود كانوا الأكثر تمرّداً ومحاربةً لنبينا ، وبالرغم من هذا التكرار والكثرة ، في ذكر الأحداث التي مرّت بموسى ، لكنك تجد الغموض يزداد كلّما ذُكرت أحداث وتفاصيل أكثر ، وهذا ما جعلهم يعتقدون بأنها فجوات لا بد من سدها ، في قصص الأنبياء أو الأحداث والمفردات الغامضة ، حتى التي تخاطبهم بها ، وهو نفس السبب ، الذي دفع رجال الدين من تلك العهود لسدّها ، باختلاق حكايات تكمل الصورة ، ليبيّنوا لرعاياهم أنهم الأعلم بالكُتُب السماويّة ، فلا يقعون في حرجٍ إذا سألهم من سائل ، لكنّ تصرفهم هذا أدى لنتائج وخيمة جداً ، أهمها انفلاق مذاهب جديدة من تلك الأديان ، وفرق من تلك المذاهب ، إذ اختلفوا حتى على الإفك الذي اختلقوه ، وبالتالي جاءت لنا جاهزة من اليهود وغيرهم ، ونحن من نأثم إذ نعمدُ لتفسير القرآن العظيم ، على أساطير اليهود وآراء الأعاجم ، والحقيقة إن ما من فجوةٍ أو خلّةٍ أو عوزٍ في كل القصص ، التي جاءت بها الكُتُب السماوية ، إنما جاءت كاملة مترابطة من حيث الحكمة والموعظة ، ومحاربة لأن تكون محض قصص للمؤانسة ، كذا ما سيمر بنا من قصة آدم وإبليس ، من أنها جاءت متكاملة وغير متكررة ، كما ظن من ظن ذلك .

    الفرع الثالث - وضع مفاتيح الكثير من الآيات بيد الرسول .
    باعتباره سبحانه قطع علاقته ببني البشر ، وختم سفراءه إلينا بالرسول الكريم ، وأنهى كتبه إلينا ، بكتابهِ الأخير ، ولأجل أن يحفظهُ أشدّ الحفظ كما ذكرنا ، وضع مفاتيح الكثير من الآيات بيد الرسول دون غيره ، لذا فإن هناك الكثير من الآيات التي لا يمكن تناولها بالتفسير ، إلا نقلاً عن الرسول (صلّوآله) خشية التحريف ، وخصوصاً سبب نزول تلك الآيات ، أي يمكننا القول إن هناك صورة أخرى من الغموض ، لا تتعلق بالمفردات ولا بالنصوص ، بل إن كل شيء واضح في النص القرآني ، لكنّ سبب نزوله ينقله إلى معنى آخر ، ربما خلاف المعنى الظاهر في النص ، كما إن هناك صورة أخرى ، ووجه آخر من الآيات يختلف تماماً عن كل ما تقدم ، وهي الآيات التي لا يمكن فهمها لا كمفردة ولا كنص ، فتلك النصوص غامضة بشكل مطلق ، من حيث المفردات ومن حيث النصوص ، ومن حيث أسباب النزول ، وفي ما أعتقده إنها من تركة النبي الأعظم ، فإذا كان لكل نبيّ تركةٍ من المعجزات التي أعطاها الله له ، فلِرسولنا الكريم ، القرآن الذي سيتركه لخليفة الأرض ، وفيه آيات لا يحل شفراتها إلا خــــليفة الله(جل جلاله) ليس أقلها الأحرف الموجودة في مـــــقدمة السور القرآنية .....
    كـ( الم و الر والمر و كهيعص و ن و ق و غيرها ) ، وهذه التركة لا بد وانها محفوظة في تابوت العهد ، فلكل نبيٍ أثراً فيه ،
    { وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } البقرة/248
    راجع كتابنا (هوية يهودي) الجزء الثاني هيكل سليمان ، أو راجع مطلب الشريك المجهول بخصوص التابوت .
    وبعد .... فبالمقابل ، سحب المفاتيح من المنافقين وأهل الأغراض الدنيوية ، لذلك تراهم كلما أخذوا من غير ما جاء به الله ورسوله(صلّوآله) ، للتخلص من غموض النصوص القرآنية ، يصلون لأحكام تخالف وتعاكس ما أنزله الله تماماً ، فكم ادعى العثمانيون أنهم أهل السنة الصحيحة ، وأسموا سلاطينهم مختلف الأسماء ، لكي يداهنوا المسلمين بتلك الأسماء ، على أنهم رموز العدل والمساواة ، لكننا نراهم وصلوا لأسوء العهود ضلالاً وظلاماً ، حتى قتل الحكّام بعضهم بعضاً ، وجاءوا بأحكام الخازوق وفقع العيون ، التي أخذوها من قوانين حمورابي اللعينة ، و هو ذات ما فعله اليهود وغيرهم ، لكشف الغموض .

    الفرع الرابع – خصائص النصوص الإلهية .
    أي إن من أسباب غموض النصوص القرآنية ، هي خصائصها كنصوص إلهية .
    لا جدال إن كلام الله عزوعلا يرتقي عن كلام البشر مراتٍ ومراتٍ ، وإن أراد سبحانه من كلامه مخاطبتنا بمستوى ما نفهم ، فيبقى علاء الله لا يجرّده استخدامه للغةٍ ما أو تعبير معين ، المشكلة تبقى على من يريد أن يفهم آيات الله كيف له أن يرتقي لفهمها ، فلا غير الرُسُل يعقلون علّيته ، ولا غير الأنبياء يفهمون ما يريده كما يريده ، لا كما يريده كل طامحٍ وطامعٍ من عباده ، لكننا في موضع العتمة ، حيث لا نصّ لرسوله ولا قرينةً من علمائه ، يمكننا الاستدلال بما آتانا الله(جل جلاله) من مدارك ، فما أن نسمو بفكرنا ، فلسوف ندنو ولو بقَدْرٍ بسيطٍ ، يعيننا على تدبر البعض من آياته ،
    ومن خلال سلسلة يوميات الفتى الأوّاب أمكنني أن أرصد الشيء القليل من تلك الخواص ، وهي :

    أولا – خاصية التشريع و خاصية التنفيذ .
    لعزة الله في حديثه مع خلقه خواص ، فسبحانه لا يجابه العبد بردّ فعلٍ مباشرٍ حال قيامه بأي تصرف ، ما لم يبين له سِبقَ التشريع ،
    وبما إنه سبحانه يأمر ، فتقوم ملائكته بتنفيذ الأمر ، ترى إن الآيات التي تأتي بالفعل ( قال ) مضافاً له الضمير ( نا ) أي ( قلنا ) تعني التنفيذ للأمر ( أي ملائكته ) أمّا لو جاء بالفعل (قال) مجرداً ، فهذا يعني التشريع الأسبق للفعل ، وبماذا سيعاقب ، أو ماذا سيكون الرد ، ولنا أمثلة ستمر بنا في المحور الثاني والحوار الذي دار مع إبليس اللعين .
    ثانيا – القول البليغ في الصّور البلاغية وفق المعيار الصادق .
    عُرّفتْ الصــــورة البلاغية قــــــــــديماً بأنها [ استعارة قائمة على التماثل و التشابه بين الطرفين المشبه والمشبه به ] (6)
    وتُعْرف الآن بمفهومها العام [ تمثيلا للواقع المرئي ذهنيا أو بصريا ، أو إدراكا مباشرا للعالم الخارجي الموضوعي تجسيدا وحسا ورؤية ] (7)
    و القول البليغ هو القول الذي يصل القلوب ، ويترك أثراً عميقاً في النفس ، لدى الآخرين وجاء في الآي الكريم { وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا } النساء 63
    لكنّ الأدباء بجميع الوانهم الأدبية ، حين يأتون بصورةٍ بلاغية ، فلا يعنيهم صدق المعيار في التشبيه والمحاكاة ، وما يهمهم هو وصول القول بصورة جديدة وملفتة للانتباه ، لأن الصورة البلاغية غالباً ما تعاكس مطلوب القول الصادق ، أمّا عندما يصوّر الباري لنا صورة بلاغية ، فسبحانه يختار القول البليغ والمؤثر في النفس وبصورة متناهية في الصدق ، أي إن الصدق يجب أن يحكم القول والصورة ، لذا تكون المفردات التي ينتقيها في الآية ، مفردات نعجز عن الإتيان بمرادفاتٍ لها ، وينبغي أن تكون هذه الخاصّية ، مما يساعدنا على فهم النصوص بدقّة متناهية ، لكننا وضعنا معايير ، سببت زيادة في غموض النصوص كمعيار فهم القرآن بالقرآن ، وسوف نتحدث قليلاً عن هذا المعيار في الفصل الخاص بضرب المرأة ، وعلينا أن نعرف إن هذا الإشكال وقع فيه أول من وقع اليهود ، ومثال ذلك قياسهم لفعل الشيطان بفعل إبليس ، وقالوا إن الشيطان هو إبليس ، وكم خلق اليهود من أكاذيب بسبب كذبةٍ لم يبالوا بها ، فبعد ذلك احتاجوا أن يدخلوا إبليس في الجنة فكذبوا وكذبوا ، حتى غدت أسطورة مضحكة ، وهذه الخاصية تدلنا على أن كل المنقول عن كلام إبليس أو الكافرين او المنافقين ، هو عن لسان حالهم ، لا عن نص كلامهم بشكل مباشرة كما نوّهنا ، وذلك لسببين
    أ – أصبحت الآية منسوبة لإبليس أو للكافرين والمنافقين ، و ليست من كلام رب العالمين ، فكيف نتقبل أن يكون النص ، الذي قاله إبليس هو نفسه النص الذي جاء في القرآن .
    ب – من المؤكد أن يقول الكافر والمنافق على لسانه ما ليس في قلبه ، وهذا ما يخالف الصدق في القول ، وحتى حين يقول أحد منهم الصدق نادماً أو متحسراً ، فلا ينقله سبحانه أيضاً بشكله المباشر ، لأن لسان القرآن لا يخاطب لسانهم ، بل ما معناه و ما خلاصته (لسان حالهم) .

    ثالثا - القول بما ندّعي ، و ما ندعو من أسماء .
    وهذه الخاصيّة أيضا من الخواص التي ينبغي أن تعطي معنى أقرب لفهم النص ، لا لمزيد من الغموض ، سواء ما ندعي أو ما نعلم ، ومثال ما ندّعيه ، قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ }النساء/ 136 ،
    فيعني سبحانه : يا أيها الذين تدّعون أنكم آمنتم بالله ، آمنوا حقاً بالله ، وكذلك حين يخاطب أهل الكتاب فيعني : يا من تدعون أنكم أهل الكتاب ، و يا من تدعون إنكم من بني إسرائيل ، كما نادى اليهود مريم يا اخت هارون ، أي يا من تدعين إنكِ أخت هارون ، راجع (المطلب الثاني الفرع الثاني) ، وكثيراً ما خاطب أهل الكتاب بما يدعون من أرقام و أعداد ، وبما أنهم قاموا بتزييفها ، فلن يكررها الله(جل جلاله) علينا لأننا سنقوم بنفس ما قامت به اليهود ، أي من المحال أن نجد في القرآن أرقاما واعداداً حقيقيةَ مرّت على اليهود وقام اليهود بتحريفها ، ثم يعيدها لنا في القرآن ، لأنّ الأرقام لا تختفي بالغموض ، الذي نشده الله(جل جلاله) في القرآن ، ولو تمعّنّا في نصوص القرآن لوجدنا ، أنه تعالى نادانا كذلك بأهل الكتاب ، فسبحانه يتعامل معنا على حدٍ سواء ، وإلا ما نفع أن يضرب لنا مثلا ، ولمّا كان مشركو قريش يدعون بأن ما يقومون به من تعبّد للأصنام هو دينهم ، الذي وجدوا آباءهم وأجدادهم عليه ، فخاطبهم في سورة الجحد بأن لكم دينكم ولي دين ، لذا فان مناداة الله لهم بـ( دينكم ) ، ما هو بإقرار منه بأنّ لهم دين أنزله سبحانه ، إنما بموجب ما يدعون من مراسيم التعبد ،
    أمّا تسمية الأسماء والأشياء بما نعلمها ونفهمها ، فالأمثِلَة كثيرة ، منها أسماء الأنبياء كـ(عيسى المسيح) ، فلم يعرف النصارى اسم عيسى ولم يَرِد في الكتاب المقدس مطلقاً ، إذ كان النصارى يعرفونه بـ(يسوع) ، والعرب كانوا فقط من يعرفوه بهذا الاسم ، ويعرفون أن ابن مريم الصّديقة يسمّى عيسى ، ولربما كان السبب اختلاف اللغة ، فلمّا كانت اللغة اليونانية التي كتب فيها الإنجيل قبل البعثة الشريفة ، هي من اليسار إلى اليمين والعربية من اليمين إلى اليسار ، فلاحظ جيداً حين يُقرأ اسم ( يسوع ) من اليسار إلى اليمين سيصبح ( عوسي ) أي حين يكتب يسوع باليونانية ، فإن اليونانية لا تعتمد المزج بين الأحرف و لمزيد من التوضيح لنكتب اسم (يسوع) بأحرف إنجليزية ( ISSUE ) لكن العربي سيقرأها من اليمين إلى اليسار ، لذا تكون وبشكل واضح عيسى ،
    هذا وإن كل الديانات السماوية الإبراهيمية ، كتبتْ أول ما كتبتْ ، بلغات تبدأ من اليمين إلى اليسار ، لكنها سرعان ما كتبت بلغات متعددة ، كان أخطرها التي لا تعتمد المزج بين الأحرف ، لأنهم سيعمدون لتحريف الأحرف عن مواضعها ، وليست الكلمات فقط ، فيما حافظ القرآن على اللغة التي أُنزل بها ، وحين خاطبنا الله سبحانه ، ولأجل أن نفهم من الذي يعنيه بخطابه ، خاطبنا بما هو معروف لدينا ومفهوم عندنا ، كما إن آدم وزوجه لمّا هبطا للأرض وسكناها ، فقد أصبح لديهما اسم آخر عرفته اليهود ، وهكذا بقيّة الأنبياء من قبل ، أما أن نقوم بترجمة الاسم العبري لمفهوم عربي ، فهذا غير مقبول ، كمن يقول إن ( إبليس ) سُمّي بـ( إبليس ) لأنه أبْلَس من رحمة الله ، أو إن نوح سمّي بنوح لأنه بكى وناح ، فهي وإن كانت أسماء معرّبة ، لكنها تبقى أسماء أعجمية ، عُرفتْ عند العرب بهذا الشكل وهذا المعنى ، فهناك من يُشكل على أن القرآن وردت فيه أسماء أعجمية ، لكنه تعالى ذكر أن القرآن أُنزل بلسانٍ عربي ، وهذا هو الفرق بين لسان العرب واللغة العربية ، فاللسان العربي ، أقدم من قواعد اللغة بمئات بل بآلاف السنين ، أما قواعد اللغة العربية ، فوضعتْ بعد القرآن(Cool ، وما أعنيه إن القرآن جاء مطابقاً للسان العرب وما يفهموه ، سواء بالأسماء أو حتى بالصور البلاغية ،
    ورغم محاسن الغموض التي أرادها الله (جل جلاله) ، لكن الجاهلية واليهود لم يَفُتْهُم استغلال ذلك ، فالجاهليّة جلدوا المرأة ووضعوا السياط بيد القرآن ، وكفّروا وقتلوا ووضعوا بصمات القرآن على كل السيوف ، أما اليهود فلعبوا أعظم أدوارهم في زج رواياتهم المختلقة ، كما زجّوها في كتابهم و كتاب النصارى (الكتاب المقدس العهد القديم والجديد ) .
    و القول بما ندّعيه من أسماء و ما نفهمه من علوم ، بينه الرسول بما نسب له من حديث (صلّوآله) ، {نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ، ونكلّم الناس على قدر عقولهم} وهو خير تأكيد لقولنا آنف الذكر ، لكنه حاشاه أن يخبر الناس ، ما يخالف الشرع ولو بذرّة واحدة ، على أساس أنهم لا يستطيعون فهمَها إلا بهذا النحو ، فتفسير الآي وضعه الله بيد رسوله ، لنعرف نحن من سينهج نهجه بالتفسير ، ومن ينحدر للتغيير ، ومن يريد للإسلام العيش ، ومن يريد قيادته كالجيش .

    رابعا – أزليّة الآيات و أزليّة الأحكام .
    نعني بالأزلية اللا بداية واللا نهاية ، وهذا ما لا يمكننا الوصول بالفكر إليه ، لأننا خلقنا من الفناء و إلى الفناء ، و لكن كان علينا دائماً ، أن نعي الأزلية ، في دين الله وفي آياته وفي أحكامهِ ، فما لآياته مَوات ، ولا لأحكامه تغيير ولا تبديل ولا تحويل ،
    {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} الفتح/23
    {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} فاطر43
    وسوف نقف على إن الأحكام ما تغيرت ، بل تغيّرت أحوالنا ، ووصولنا إلى شرف التعرف على أحكامه سبحانه ، وهذا الشرف ما ناله الكثير من الأقوام البائدة والسالفة ، لا بل والمعاصرة أيضاً ، لأنهم كانوا أدنى من الوصول والحصول على النظام السماوي الطّاهر ، وكان فريق من الأعراب من أولئك الذين ما استحقوا الوصول إلى طهارة الأبدان والنفوس ، فجاء قوله تعالى فيهم :
    { الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } براءة/ 97
    وبالتأكيد طَفِق العرب يتهمون أهل البادية ، و أهل البادية يتهمون البدو الرحّل ، والحقيقة المُرّة التي لا أحب الوقوف عليها كثيراً ، أن الأعراب هم المتمسكين بالعروبة على الدين ، أي يفضّلون القومية العربية على الدين الإسلامي ، فلفظ الأعراب والأحباش و الأتراك ، يطلق حين نُرجِع الناس للقومية التي ينتسبون لها ، ثم أسرعنا لتقسم العرب إلى هالكة و عاربة و مستعربة ، للخلاص من أصولنا المعيبة ، وما فعلناه بالأنبياء قديماً ، فـ(هود وصالح) نبيان عربيان ، من قومين عربيين (عاد و ثمود) ونحن من أصولهم ، وإن هلكا فقد بقي منهم من ناصر صالح و هود عليهما السلام ، ومن لم تلحقه الهلكة ، وترى الحدود التي فرضوها من رجم المرأة ، وضربها والانقاص من قدرها ، حدود كذّب من نسبها لله ورسوله ،
    وقوله تعالى { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (Cool وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } يس /10
    والآية { مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } ، جاءت للإنكار (9) إنكاراً توبيخياً ، وفي الاصطلاح ، الإنكار هو : أن تنكر على المخاطب وتستهجن منه ما حدث ليتنبه السامع حتى يرجع إلى نفسه ، فيخجل و يرتدع ويعي الجواب (10) ،
    أي أحقّاً ما أُنذر آباءهم فهم غافلون ، أم تدعون ذلك ، لأن الله تعالى أنذر كل آباءنا من آدم ونوح وهلمّ جرا ، فكيف عاش بينهم إسماعيل النبي (ص) ، وكيف عاش النصارى واليهود حولهم ، ولم يؤمن من بينهم من أحدٍ بالله الواحد ، كيف حكم الله علينا بحكم الكفر بأنّ { حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } قبل أن يختبرنا وينذر آباءنا ، لكننا اخترنا أن نبدأ من جديد ، وقد عَامَلَنا الله على هذا الأساس ، عسى الله أن لا نصل ، إن لم نكن وصلنا فعلاً ، لمثل نهاية الآباء من عادٍ وثمود ،
    وأهم ما نشير له في هذه الخاصيّة ، هو أن كل الآيات التي جاءت في القرآن بخصوص تعامل أمّته سابقا معه ، كالتعدي على الرسول الكريم ، وعدم إعطائه التوقير المناسب لشخصه ، آيات حدثت وما زالت تحدث ، أي أن من يرفع صوته على صوت الرسول ، مازال وإلى يوم الساعة موجوداً بيننا ،فمن الجحود أن نقول إن الآية ماتت مع من مات ، لأن من قصدهم الله تعالى بهذه الفعلة قد ماتوا ، فلوا كان قصده سبحانه عليهم فقط ، لما أوردها كآية سماوية تتعايش معنى إلى يوم الدين ، وهذا شأن كل الآيات وكل الأمثال والعبر التي جاءت في القرآن الكريم .
    خامسا : استخدام ذات المفردة ، لمعانٍ مضادّةٍ و مرادِفَةٍ .
    كل الذي سنبينه من احتلال الجاهلية لآيات الله سبحانه ، كان في عدم فهمهم لهذه الخاصية ، فسبحانه وتعالى له جناحين في إيراد المفردة ، بل ثلاثة و أربعة ، فمفردة ضرب ، لها معنى الحجب والاقتطاع و القطع و(اللكم) أي الضرب بالحركة ، وكلٌ يرى الآيات في عين طبعه ، كذلك مفردة سلطان وهي من أهم المفردات التي أستعملها الله(جل جلاله) ، كما سيمر بنا في التفريق بين الكافر والمشرك (شبهة الشيطان) ،
    وكما وردت كلمات ثابتة في معناها ، لكنّه سبحانه وتعالى أضاف لها ما يخالفها ، ليعكس معناها كـ(الشجرة) ، كالشجرة المباركة و الشجرة الملعونة ، والأمثال على هذه الخاصية كثيرة ووفيرة جدا ، بل تكاد لا تخلو آية منها ، علاوة لاستعماله المباشر للمضادات ، من الأفعال والأسماء ، وكما نرى في أسماءه الحسنى ، ما هو للعقوبة وما هو للرحمة ، راجع (شبهة أجنحة الملائكة) ....





    المطلب الثاني
    آياتٌ احْـتلتها الجاهلية

    لستُ مع هواجسي التي تدعوني للتفكير بإن رسالة السماء تأخرت عن العرب أكثر من ألفِ سنةٍ ، بسبب تخلفهم ، وعدم قدرتهم على حمل الرسالة السماوية كما حملتها باقي الشعوب ، فبني إسرائيل ورغم أنهم حُمّلُوا رسالة السماء ، وأصبحوا من الشعوب المختارة عند الله سبحانه ، إلّا أنهم وبعد آلاف العقود ، وبعد مئاتٍ من الأنبياء الذين أرسلهم الله مبشرين ومنذرين لبني إسرائيل ، وصلوا لمستوى الحمار الذي يحمل أســــفاراً ، ومــن اعـــــتدى وحارب أحـــكام الله(جل جلاله) ، باتـــــوا قردة وخنازير ،
    كما إني لا أستطيع أن أفخر بأن الله سبحانه وتعالى ، اختار لنا أحبّ أنبياءه وأقربهم إلى قلبه ليكون نبيّنا ، لأنّ القوي لا يُـرسلُ إلا للعَصِيّ ، والصبور لا يُـرسل إلا للكَـفور ، والأمّة الوسط التي نَرتجز بها (11) ، ماهي إلّا أن أم القُرى أصبحتْ زمن الرسول الكريم أوسط بلدان العالم ، في المكان وفي الأجناس ،
    فقد سكنتها مختلف القوميّات والأديان ، كالأحبَاش والفرس والهند والسند ومن اليهود والنصارى والزرادشتية ، مما جعلنا أمّة وسطيّةً للتبليغ ، وهذا سبب تسميتها بأم القرى ، أي (أم الدول) ، ولو أردنا أن نضرب مثالاً مع الفارق ، نقول : لو كانت الكرة الأرضية كرأس بني آدم ، لكانت المنطقة من مكة إلى بيت القدس هامته التي يمسح عليها في الوضوء ومكة أم رأسه ، ولو كانت وجههُ ، كانت مكة مكان فمه ، { ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } الأنعام /131
    وتدلنا هذه الآية على إنهم قديماً يطلقون تسمية القرى على البلدان ،
    بذلك فقد تأهّلتْ أن تكون خير مركزٍ للإشعاع السماوي ، على كل المعمورة ، فهي هامَة العالم ، من حيث المكان و الجنسيات ، بعد أن احتكر اليهود الدين لأنفسهم ، وشايعوه لبُغيتهم ، أمّا نحن فما من أحدٍ يعلم غير الله(جل جلاله) هل كنّا خير أمّةٍ لخير الأنبياء ، كما حمل خير الأنبياء كل خير لنا ، وبالمنظور الآخر وقولهم الوسط هو العدل ، فلماذا لا ، ليكون المعنى ، وأردناكم أن تكونوا أمة وسطا ،
    و إن كنّا لا نعرف محاسننا كأمّةٍ ، فمن المؤكد إننا نعرف بعضاً من سيئاتنا ، ما كان أقلّها الطباع الجاهلية التي شاقَـقنا بها الله في ما أراد منّا ، وأكرر قولي إني لستُ مع إتهام العرب دون الشعوب الأخرى بالجاهلية ، فكل بلدان العالم مرّ بها ما مر به العرب ، كوأدِ البنات واستعباد الزنج والأحباش ، لكنني هنا أقف محارباً كل ما يَمسّ ديني واعتقادي بالله(جل جلاله) ، بتوظيفهم آيات الله لإضفاء الشرعية على بعضٍ من الطباع ، وقد أخترت الحديث عن أشدهنَ أثراً علينا وعلى الناظرين من بعيد للإسلام ، و هي التي أراها سبباً لنفور الكثير من الإسلام ،
    والأصدق سبباً لِنفور الإسلام من الكثير ، فالإسلام ولد متحضراً ، ومن رآه غير ذلك ، فقد وقف في زاويةٍ مظلمة ، حيث كان قبر أبيه ، لذا فإن أسباب احتلالِ الجاهلية لبعضٍ من آيات الله ، هو ما رأوه من غموضٍ فيها ،
    و أما السبب الثاني في احتلال الجاهلية فهو ما تشترك فيه كل الأديان السماوية وغير السماوية ، ونعني الصراع من أجل السلطة والأطماع الدنيوية ، و بين هذا وذاك خُلقت تلكم الشبهات ، والتي سوف ندرسها ضمن إطارها التاريخي ، وأسباب الاعتقاد بما يخالف مفاهيم الآيات .



    المطلب الثالث
    آيات احتلها اليهود والأعاجم

    لبني إسرائيل مميزات اختصوا بها عن سائر بني البشر ، وقولي هذا لا يمس كرامة العروبة ولا قداسة الدين ، لأن الاستكبار هو المُدان عند الله ، ولم يَكُ التواضع والإقرار ، بأفضلية الشعوب على بعضها ذنبا قط ، بل فضيلةً تجعلنا نتبصّر غلطات من سبقونا من اليهود والنصارى ، والأحرى من العرب الهالكة وغيرهم من الشعوب ، و ما يهمنا من تلك الشؤون هو الدين ، فقد كانوا أوّل شعبٍ أختاره الله لرسَالاته ، فبالرغم من إن إبراهيم الخليل ولد في العراق ، وحدث له ما حدث مع النمرود ، لكنه ترك العراق وهجره ، وكأنما طُلب منه أن يؤدّي رسالته كنبيٍ في الأراضي الكنعانية (القدس الآن) ،
    إبراهيم وهو ( أب رحيم ) شخصية مبجلة وذو منزلة كبيرة لدى كل الأديان الإبراهيمية ، فقد وردت سيرته في سفر التكوين وهو أول سفرٍ في التوراة ، كذلك وردَ ذكره في الجزء الأول من القرآن إحدى عشر مرّة ، وبعدما هجر اليهود الأراضي الإبراهيميّة و سكنوا مصر ، وتكررتْ ذات القصة مع موسى وحدث ما حدث مع فرعون ، وعادوا جميعا معه إلى الأراضي الكنعانية ،
    وكانوا كلّما تاهوا في الأرض ، عادوا مرةً أخرى إليها ( القدس الآن ) ، حتى احتلّوها مؤخراً وسكنوا فيها ، ورغم هذا الاحتلال ، إلّا أنهم ادعوا أن دخولهم على أساس ملكيتها لبني إسرائيل ، وبالفعل أطلقوا على دولتهم الجديدة اســـــم ( إسرائيل ) ، فيما أطلق العرب على الأراضي المحمدية بالسعودية ، فهم وبرغم كل مشاكلهم مع معظم القوميّات والأديان وعلى مدى التاريخ ، إلا إننا لا نُنْـكِر أنهم شعب منظم حتى فيما يمكرون ، وطموحاتهم دفعتهم لخلق الإبداع والبُدَع في آن واحد ، إذْ لم يكتفوا بتحريف كتابهم ، بل عمدوا لتحريف الإنجيل وحاولوا بذل كل الجهود لتحريف القرآن ، ولمّا لم يستطيعوا ، تحينوا الفرص ، حتى دعت الحاجة إليهم ، لسد عوزنا في قصص الأولين من الأنبياء وخصوصا آدم وحواء ، فأدخلوا رواياتهم بشتى الطرق والأساليب ، ليحتلّوا جزءً كبيراً ومهماً جداً من القرآن ،
    أما الأعاجم وخاصة من أرض فارس ، فقد وجدتُ قاعدة لا شواذ فيها رغم غرابتها ، وهي إن كل مذهب تراه يسب ويلعن الفرس ، تجده أكثر المذاهب أخذاً منهم ومن آرائهم ، بل لم ينهجوا نهج عالمٍ ، إلا من أراضيهم والعكس صحيح ، وابدأ من البخاري ومسلم النيسابوري والترمذي والنسائي وسوف تكتشف صدق القاعدة ، هذا وإن معظم المسلمين الأوائل ، لم يعيروا اهتماما واسعا بالروايات اليهودية أو يتخوّفوا منها كما ذكرنا ، باعتبارها لا تمثل ركناً من أركان الدين ، ولا من فروعه ، فلا هي بالعبادات ولا هي بالمعاملات ، ولا تتعلق بتقسيم الغنائم والأنفال ولا بالزكوات ، وأما البعض من رجالات الدين ، فبقوا عـلى عبارتهم الشهيرة :
    (علم لا ينفع من علمه ولا يضرّ من يجهل به) ، أما القليل الذين اهتموا للتفقه في الدين ، فقد أُهْمِل فقهَهَم ، كما أُهملتْ أحاديث كثيرة بهذا الشأن ،
    وسوف ترى قريباً ، أن اليهود لم يكونوا عابثين في تلفيقهِم تلك الروايات ، بل لأنهم على علم بعظمة ما تخفيه تلك القصّة ، من أسرار عظيمة ، تُوصلنا لقمم لم نكن لنفكّر في الوصول إليها ، وهنا تكمن الأهمية في دراستنا للمخلوقات الثلاثة ، (آدم المسكين ، وحواء المزيفة ، وإبليس المتهم )
    ولأن قصصهم تعايشت معنا عصورا بعد عصور ، غدا من الصعب علينا تصديق خلاف ما جاؤا به ، وما يدهش أنها قصص تكاد أن تكون فكاهية ، لا تختلف ابدا عن قصص كليلة ودمنة ، إن لم أكن قد ظلمتُ كليلة ودمنة في هذا التشبيه ، وهذا ما سنطالعه .
    المحور الثاني
    فروع الشبهات

    بعد دراستنا للمحور الأول ، وهو أصل الشبهات في مطلبين ، وهما الغموض والانحراف أو ما أسميناه بالاحتلال ، سنتحدّث الآن عن كل شبهةٍ في مطلبٍ مستقل ، لنتناولها بكل تفاصيلها ، والتحدث عن أثرها على الإسلام ، وإن كـــان ينبغي دراســتهنّ كلاً وفــق أصل نشؤها ، لكننا في هذا الكتاب تجنبنا الطرق الهيكلية إلى الطرق السريعة لإيصال المعلومة ، وتيسير المطالعة ،
    و ســـــوف نبدأ بطباعنا ، أي بشبهة ضـــرب المرأة ، حـــتى نــصلَ لأكـــثرها تعقيداً و أبلغها أثراً ، وهي شبهة الخليفة والتي ستكون مدخلاً لدراسة علم خلافة الأرض في البحث القادم ( ما نراه في خليفة الله ) .

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 10:38 pm